محنة لبنان السكنية: التقرير السنوي المرفوع إلى الأمم المتحدة

 

1. الملخص التنفيذي

2. السياق

3. عن هذا التقرير: 163 بلاغ عن حالات تهديد للسكن

4. حجم الإخلاء ونطاقه

5.انتهاكات الحق بالسكن 

         أ. غياب الحدّ الأدنى من الحماية القانونية لأمن الحيازة

         ب. ظروف معيشيّة غير ملائمة وتدهور مستمرّ في صلاحية السكن

         ج. انعدام القدرة على تحمّل التكاليف المتصاعدة المرتبطة بالسكن

         د.تردّي الخدمات والمرافق والبنى التحتية

         ه. مواقع سكنيّة عرضة لمخاطر التلوّث والمضاربة العقارية

         و. تمييز اجتماعي وثقافي

         ز. تجاهل حاجات كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة

6. القوانين اللازمة والبرامج والممارسات الضرورية لضمان توفير السكن الميسر واللائق للجميع

 

الملخص التنفيذي

على الرغم من كونه حقاً أساسياً من حقوق الإنسان يتمتّع بقيمة دستورية، لطالما شكّل الوصول إلى السكن الميسّر واللائق أحد أبرز التحديات في لبنان. فقد تفاقمت الأزمة السكنية نتيجةً لعقود من مضاربات السوق التي تعمل في ظلّ اعتماد على الأرض كأصلٍ لرأس المال، وفي إطارٍ يحتفي بتغلغل المصالح الخاصة في تنظيم قطاع الإسكان. فقد بات واضحاً أنّ الخيارات التي لطالما اتّخذتها الدولة تاريخياً كانت في اتجاه اعتبار السكن مجرد سلعة، بدل اعتباره حاجة إجتماعية. تخلت الدولة عن دورها في وضع سياسات إسكانية عادلة وأصبحت سياسة الإسكان الوحيدة المعتمدة هي سياسة الملكية من خلال القروض "الميسرة"، التي توّقفت بشكل كامل، بالتزامن مع أسوأ أزمة اقتصادية شهدها لبنان. 

في الوقت الراهن، أدّت هذه العوامل، التاريخية منها والمستجدّة والمتلاحقة، إلى تفاقم أزمة السكن بشكل متسارع، انطلاقاً من التدهور الاقتصادي. وقد نتج عن هذا التدهور ارتفاع جنوني في مصاريف السكن، بالإضافة إلى ارتفاع في أسعار الخدمات الأساسيّة. فقد بلغت النسبة التي تستحوذ عليها تكاليف الإيجار وخدمات السكن 85% من مجمل دخل الأسر المقيمة في بيروت، ووصلت إلى 100% في الأحياء الأكثر هشاشة. كل ذلك مقابل انخفاض قيمة مداخيل المواطنين، التضخّم الحاد وتدهور قيمة الليرة اللبنانية وتعدّد أسعار الصرف، إلى جانب تفجير 4 آب، وصولاً إلى قرار رفع سعر الصرف الرسمي، وأخيراً الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا والذي كانت له تأثيرات على سلامة المباني في لبنان. 

وتُعتبر الدولة اللبنانية، وبموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي انضّم إليه لبنان عام 1972، ملزمة بتقديم تقارير دوريّة عن الوضع السكني في لبنان، وأن تشمل أيضاً تقدّماً على طريق ضمان احترام هذا الحقّ. غير أنّ الدولة اللبنانيّة تقاعست في رفع تقاريرها الدورية، بحيث تمّ إحالة تقريرين وحيدين في عامي 1993 و2015. 

في ظلّ عجز الدولة اللبنانية عن الإيفاء بأدنى التزاماتها، تبرز معضلة محورية مرتبطة بقدرتها على صياغة استراتيجيّة وطنيّة فعّالة من أجل ضمان احترام الحق في السكن اللائق، على مستوى نقص البيانات والإحصاءات الدورية. في هذا السياق، يسعى استديو أشغال عامة من خلال هذا التقرير لإعطاء صورة كافية وشاملة للحالة السائدة، ومدى إنتهاك لبنان للحقّ في السكن. 

بذا، يبدأ التقرير بتحليل 163 بلاغ وصل إلى "مرصد السكن" بين آذار حتّى تشرين الثاني من عام 2022 والنظر في أنواع الهشاشات السكنيّة التي تشمل بشكلٍ أساسي التهديد الناتج عن تكلفة السكن (71.17%)1، أو ممارسات وظروف أخرى ضاغطة غير متعلقة بكلفة السكن (38.04%)2، إلى جانب حالات تمّ فيها الإخلاء (7.98%). لننتقل بعدها إلى استعراض مفصلّ لمدى الانتهاك الحاصل لكلٍّ من المعايير الموضوعة للحقّ في السكن. في هذا الصدد، يبيّن التقرير أنّ هذه الحالات تعاني من غياب الحدّ الأدنى من الحماية القانونيّة لأمن الحيازة (74.2%)، ومن ظروف معيشيّة غير ملائمة وتدهور مستمرّ في صلاحية السكن (65.6%)، ومن انعدام القدرة على تحمّل التكاليف المتصاعدة المرتبطة بالسكن (67.5%)، كما ونقص في توفير الخدمات والبنى التحتية الأساسية والحيوية (60.1%)، وتعرّض المواقع السكنيّة لمخاطر التلوّث والمضاربة العقارية (70.6%)، وتواجه هذه الحالات التمييز الاجتماعي والثقافي (96.3%)، وأخيراً غالباً ما يتمّ تجاهل حاجات كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة (27.3%). 

ونستعرض أخيراً طرق الاستجابة التي قمنا بها لنبيّن قصور الإطار القانونيّ الذي يحدّ من القدرة على الدفاع عن الحقّ في السكن اللائق، ونقدّم توجهات متعلّقة بالقوانين والبرامج والممارسات اللازمة لضمان توفير السكن الميّسر واللائق للجميع. بذا، تبرز اليوم، وأكثر من أيّ وقت مضى، ضرورة العمل على إصدار قانون شامل للحق في السكن، يأخذ بعين الاعتبار شرائح المجتمع كافةً.

المعاناة تتراكم ومعها تشتدّ محنة لبنان السكنيّة. فيبقى الدعم المحلي والخارجيّ ضرورةً للعمل نحو إصدار هذا القانون واعتماد هذا التوجّه والدفع نحوه.

السياق 

على الرغم من كونه حقاً أساسياً من حقوق الإنسان يتمتّع بقيمة دستورية، لطالما شكّل الوصول إلى السكن الميسّر واللائق أحد أبرز التحديات في لبنان. فقد تفاقمت الأزمة السكنية نتيجةً لعقود من مضاربات السوق التي تعمل في ظلّ افتقار تام إلى سياسات سكنية عادلة، واعتماد على الأرض كأصلٍ لرأس المال، وفي إطارٍ يحتفي بسيطرة المصالح الخاصة على عملية تنظيم قطاع الإسكان. وقد بات واضحاً أنّ الخيارات التي لطالما اتّخذتها الدولة تاريخياً، كانت باتجاه تجاهل القيمة الاجتماعية للسكن واعتباره مسؤولية الأفراد، واضعةً إياه تحت سيطرة قوانين السوق، ليحقّق الأرباح للشركات الكبرى.

منذ استقلال لبنان عام 1943، لم تضع الدولة اللبنانية أي سياسة عامة تتعلق بتأمين الاحتياجات الاجتماعية الأساسية، من ضمنها السكن، ولم يتبنَ لبنان الإجراءات اللازمة لتأمين السكن الميّسر واللائق. في فترةٍ أولى، تمثّلتْ التشريعات التي تمّ اتخاذها، بقوانين متفرقة لضبط الإيجارات، وذلك مع النمو الهائل الذي عرفته بيروت على إثر نزوح كبير لسكان الأرياف إلى المدن، أو كردة فعل على كوارث من زلازل أو فيضانات. لكنّ هذه الخطوات لم تنمُ وترقَ لمستوى سياسات سكنية أشمل تنظّم توسّع المدن والقرى بطرق دامجة. وعليه، بدا في الكثير من الأحيان أنّ الحل الوحيد المتاح لتأمين سكن الفئات من ذوي الدخل المتدنّي يتمثّل باللجوء إلى البناء أو الاستئجار أو التملّك بشكل غير رسمي في عقارات إمّا عامّة أو خاصّة لا تعود لسكّانها في السجلّات الرسمية. فانتشرت في هذه المرحلة الأحياء غير الرسمية في كافة المناطق اللبنانية.

أمّا خلال "المرحلة الشهابيّة"، بين عامي 1958 و19643، فقد قامت الدولة بإنشاء مؤسّسات إسكانية الواحدة تلو الأخرى، أعطتها بعض الأدوار في سبيل تأمين المساكن لبعض الشرائح غير الميسورة، لكن في غياب رؤية شاملة ومتكاملة لتحقيق الوصول إلى سكن لائق للجميع. وقد أسهم ذلك في توسّع المناطق غير الرسمية، بالترافق مع نزوح السكّان إلى بيروت وضواحيها مع الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان. ثم ما لبث أن أدّى تفكّك الدولة المركزية وإضعافها خلال سنوات الحرب الأهلية إلى انهيار شبه نهائي لمؤسّسات الدولة، ومن ضمنها تلك المعنية بالسكن. 

تمّ استغلال هذا الواقع مباشرة بعد نهاية الحرب الأهلية لتقوية مصالح القطاع الخاص على حساب المصلحة العامة، وتحرير الدولة من مسؤوليتها في رعاية حقّ السكن، بدل إعادة بناء المؤسّسات الضرورية لتأمين السكن اللائق والمتاح للجميع، حيث حلّت مرحلة نيوليبرالية واسعة النطاق شهدت تكريس استثمارات ضخمة لإعادة ترسيخ بيروت كمركزٍ للخدمات الإقليمية، ووضعت "تشجيع الاستثمار" وبالتالي مصالح الشركات الكبرى كأولوية، بحيث أنتجت هذه المرحلة شكلاً جديداً للدولة، منحازاً بالكامل ضد مصالح الغالبية العظمى. فعملت الحكومات المتتالية على تسهيل شروط عمل المستثمرين المحليين والأجانب في العقارات، وزادت النسب التي يسمح بها البناء. ومع زيادة الطلب على الأبنية ووجود سيولة فائضة لدى المصارف، قامت سياسة قوامها التسليف من أجل تملّك مسكن كاستجابة الدولة الوحيدة لأزمة السكن المتزايدة، بينما كان واضحاً أنّ الغالبية العظمى من السكان لا تستوفي معايير الحصول على هذه القروض ولا تستطيع تحملّه، ممّا اختصر السياسة الإسكانية للدولة بتحقيق مصلحة المصارف والمستثمرين تحت ذريعة قدسيّة الملكية الخاصّة من جهة، وتشجيع ثقافة التملّك والسكن كمسؤولية فردية، من جهة أخرى. وقد تمظهر ذلك من خلال انتشار المباني الشاهقة الخالية التي حلّت مكان أحياء تاريخية، حيث وصلت نسبة الشغور في العاصمة إلى 23%4، وبقي حوالي 65% من الشقق الشاغرة غير مباعة، مقابل 35% يحتفظ بها أصحابها دون تخصيص استعمال لها. وبعد حين، توقّفت هذه القروض بشكل كامل عام 2017 بالتزامن مع أسوأ أزمة اقتصادية شهدها لبنان، ما كشف أنّها لم تكن يوماً بديلاً عن ضرورة وضع سياسة إسكانية حقيقيّة.

كما أُوقِف العمل بنظام ضبط الإيجارات مباشرة بعد الحرب الأهلية (1975-1990)، ولم يُستبدل بنظام إيجارات عادل، بل استُبدل بنظام استثماري للإيجارات بعنوان الحرية التعاقدية. أمّا عقود الإيجارات التي أُبرمت قبل العام 1992 والتي أصبحت على تناقض مع ارتفاع أسعار العقارات الجنوني، فتمّ تحويلها وفقاً لاحتياجات السوق العقاري ومصالح المطوّرين. كما تمّ إلغاء المؤسسات العامة المعنية بالسكن والتنظيم المديني، آخرها وزارة الإسكان والتعاونيات عام 2000، فيما لا تزال المشاريع السكنية الاجتماعية القليلة التي تمّ بناؤها في ستينات القرن الماضي، مهملة. 

في الوقت الراهن، أدّت هذه العوامل، التاريخية منها والمستجدّة والمتلاحقة، إلى تفاقم أزمة السكن بشكل متسارع، انطلاقاً من التدهور الاقتصادي. وقد نتج عن هذا التدهور ارتفاع جنوني في مصاريف السكن، بالإضافة إلى ارتفاع في أسعار الخدمات الأساسيّة (بالإضافة إلى انقطاعها)، حيث من المتوقع رفع تعرفة المياه 4 أضعاف وزيادة تعرفة الكهرباء بحدّ أدنى يبلغ 16 ضعفاً وحدّ أقصى يبلغ 36 ضعفاً5 أو أكثر (ولن تكون التسعيرة الجديدة ثابتة). فقد بلغت النسبة التي تستحوذ عليها تكاليف الإيجار وخدمات السكن 85% من مجمل دخل الأسر المقيمة في بيروت، ووصلت إلى 100% في الأحياء الأكثر هشاشة، حيث أصبحت الأعباء التي تتحمّلها الطبقات المفقَّرة لناحية تكاليف خدمات السكن ثقيلة للغاية، وتستحوذ على كامل دخلها6. كل ذلك مقابل انخفاض قيمة مداخيل المواطنين7، التضخّم الحاد8 وتدهور قيمة الليرة اللبنانية وتعدّد أسعار الصرف الذي أفرز تحدّيات جسيمة على الاقتصاد9، كما وإجراءات التعبئة العامة المتعلّقة بمكافحة جائحة كورونا، إلى جانب تفجير 4 آب وعمليّة إعادة تأهيل المناطق المتضررّة، وصولاً الى قرار رفع سعر الصرف الرسمي من 1500 ل.ل. للدولار إلى 15000 ل.ل.، والذي تمّ اتّخاذه دون أي اعتبار لانعكاساته على بدلات الإيجار للمستأجرين وأقساط شراء المنازل -التي تضاعفت عشرة أضعاف- في ظلّ غياب أي تصحيح جدّي للأجور، وأخيراً الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا والذي كانت له تأثيرات على سلامة المباني في لبنان، خصوصاً في منطقة الشمال. 

نتيجة لكل ذلك، تزايدت نسبة الإخلاءات، بالتزامن مع بروز صعوبة العثور على سكن معقول الكلفة. كما وأدّى الازدياد الحادّ الذي لحق بدلات الإيجار في غياب رقابة الدولة وضبطها للعقود، إلى تقلّص حجم شريحة المواطنات\ين التي تسمح لهم مداخيلهم بالاستئجار من جهة، أو دفعهم إلى إبرام عقود إيجار لمهل قصيرة نسبيّاً لا يمكن خلالها ضمان حيازة السكن والمطالبة بترتيبات سكنية لائقة. على وجه الخصوص، يواجه مئات الآلاف من العاملات والعمّال الأجانب والعائلات المهاجرة واللاجئين من جالياتٍ غير لبنانيّة10، خطر خسارة مساكنهم، لا سيّما وأنّهم يمثلون جزءاً من الفئات الأكثر تضرراً على المستوى الاقتصادي. كذلك، تفاقمت ظاهرة التشرّد التي يتمّ إخفاؤها عن طريق إبعاد المشردين قسراً من الأحياء المركزية إلى الأطراف. كلّ ذلك في ظلّ غياب رقابة الدولة وتعطيل المسارات القضائية والأمنية التي كان يمكن للسكان اللجوء إليها لرد التهديدات بالإخلاء.

في الوقت عينه، لم تتّخذ السلطات المحلية (البلديات) أو المركزية (الحكومة ومجلس النواب) أي تدابير جادة لتأمين الحقّ في السكن في ظلّ انهيار اقتصادي ساحق وانهيار موازِ له على مستوى خدمات الدولة، وقد أثّر ذلك على سكّان المدن في جميع أنحاء لبنان وأصاب بشكلٍ متسارع ومتفاقم الفئات الاجتماعية والمناطق الجغرافية التي تعاني أصلاً من أشكال من التمييز والتهميش. المعاناة تتراكم، ومعها تشتدّ محنة لبنان السكنية، وإن تفاوت تمظهرها بين المناطق اللبنانية.

عن هذا التقرير: 163 بلاغ عن حالات تهديد للسكن

تُعتبر الدولة اللبنانية، وبموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي انضّم إليه لبنان عام 1972، ملزمة بتقديم تقارير دوريّة عن الوضع السكني في لبنان11، على أن تكون هذه التقارير مبنيّة على الرصد الفعّال للواقع السكنيّ، وتضمّ معلومات مفصّلة عن الجماعات المهمّشة والمفقّرة، والتي تشمل الأفراد والأسر الذين لا مأوى لهن\م، وأولئك اللواتي والذين يعيشون في مساكن غير ملائمة أو مناطق "غير رسمية"، واللواتي والذين يتعرّضون لإخلاءٍ قسريّ، إلخ12. على هذه التقارير أن تشمل أيضاً تقدّماً على طريق ضمان احترام هذا الحقّ. غير أنّ الدولة اللبنانيّة تقاعست في رفع تقاريرها الدورية إلى اللجنة الدولية المكلفة رصد تنفيذ هذا العهد، بحيث تمّ إحالة تقريرين وحيدين ذوي صلة بالحقّ في السكن، وذلك في عامي 1993 و2015. 

في ظلّ عجز الدولة اللبنانية عن الإيفاء بأدنى التزاماتها، تبرز معضلة محورية مرتبطة بقدرتها على صياغة استراتيجيّة وطنيّة فعّالة من أجل ضمان احترام الحق في السكن اللائق، على مستوى نقص البيانات والمعطيات الدقيقة والدراسات والإحصاءات الدورية عن الأوضاع السكنية للناس في لبنان. 

في هذا السياق، يسعى استديو أشغال عامة إلى معالجة هذه الإشكالية عبر السبل المتاحة، من خلال تطوير أدوات للدفاع عن الحقوق السكنية في لبنان، وجمع بيانات فعلية عن الانتهاكات المتعدّدة لهذا الحقّ، وذلك عبر برنامج "مرصد السكن" الذي يحثّ السكّان على التبليغ عن التهديد بالإخلاء وانتهاك حقوقهم السكنية، مستجيباً من خلال طرق مختلفة، كإرساء مسار قانوني لكل بلاغ، والضغط على الجهات المعنيّة المسؤولة، والتضامن الجماعي. تستند بيانات المرصد إلى بلاغات يتلقّاها عبر خطّه الساخن، أو عبر الفريق الميداني للمرصد، أو عبر مجموعات وأفراد متعاونين معه، ويتابعها فريق المرصد المؤلّف من باحثات\ين وحقوقيات\ين. ومنذ عام 2020، يقوم مرصد السكن بإصدار تقارير دورية عن معدلات عمليات الإخلاء المتزايدة، ويحذّر منذ بداية عمله من الأزمة السكنية المتفاقمة نتيجةً لعوامل قديمة ومتجذّرة وأخرى مستجدّة، تمّ ذكرها آنفاً.

وفي إطار عملنا لتوثيق مدى انتهاك الحقّ في السكن اللائق، قمنا أيضاً، وبالاستناد إلى المعايير والخصائص التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تعليقها العام رقم 4، بإعادة تعريف هذه المعايير وتكييفها بما يتلاءم مع السياق الاجتماعي والثقافي المحلي ومع أشكال الانتهاكات الشائعة والممارسات التي تحكم قطاع الإسكان في لبنان. وُضعت مؤشرات لقياس هذه المعايير، ثمّ تُرجمت هذه المؤشرات إلى مجموعة من الأسئلة ضمن استمارات تُطرح على الحالات المُبلّغة. 

لذا، يأتي هذا التقرير، كمسعى لإعطاء صورة كافية وشاملة للحالة السائدة، ومدى إنتهاك لبنان للحقّ في السكن. بذا، سنبدأ بتحليل كمّي للبلاغات المرصودة والنظر في حجم الإخلاء ونطاقه؛ لننتقل بعدها إلى استعراض مفصّل لمدى الانتهاك الحاصل لكلٍّ من المعايير الموضوعة للحقّ في السكن؛ ونستعرض أخيراً طرق الاستجابة التي قمنا بها لنبيّن قصور الإطار القانونيّ الذي يحدّ من القدرة على الدفاع عن الحقّ في السكن اللائق، ونقدّم توجّهات متعلّقة بالقوانين والبرامج والممارسات اللازمة لضمان توفير السكن الميسّر واللائق للجميع.

عن البلاغات

يُوثّق هذا التقرير حالات تهديد السكن بين أوّل آذار حتّى آخر تشرين الثاني من عام 202213. وقد وصل إلى المرصد خلال هذه الفترة 170 بلاغاً14. وقد حُلّلت الظروف السكنية لـ 163 حالة من بين هذه البلاغات. تُشكّل هذه البلاغات التي تمّ تحليل ظروفها السكنيّة، العيّنة التي سيُبنى التحليل على أساسها في هذا التقرير.

بلغ عدد الأفراد المتأثرات\ين بهذه التهديدات السكنية 659 شخصاً. وقد طالت هذه التهديدات بشكلٍ خاص العائلات بنسبة 82.2%15، إلى جانب أفراد بنسبة 11%، وتوزّعت النسبة المتبقّية على عاملات أو سيدات مستقلّات (3.8%)، موظّفين (1.8%) وطلّاب (1.2%). مع ارتفاع نسبة العائلات التي تواجه تهديداتٍ على مستوى سكنها، جاء توزيع المتأثّرات\ين بحسب الفئات العمريّة بشكلٍ شبه متساوٍ بين الأفراد المتضررين فوق الـ 18 سنة (58.3%) والأطفال دون الـ 18 سنة (41.7%)، ومن ضمنهم 3.5% هم من الأطفال ما دون الثلاث سنوات. من ناحيةٍ أخرى، ومن بين الفئات الأكثر هشاشة التي تمّ رصدها، بلغت نسبة النساء اللواتي يعشن وحدهنّ أو مع أولاد 8.8% ونسبة المسنين 3.95% ونسبة الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة 0.91% ونسبة الأفراد من مجتمع الميم 0.46%. 

جغرافياً، جاء العدد الأقصى من البلاغات من بيروت الإدارية بنسبة 24.5%، ضمنها 10.4% من مجمل البلاغات أتت من المناطق العقارية المتضرّرة مباشرةً من تفجير 4 آب (المدوّر التي تشمل حيّي الكرنتينا والرميل) ونسبة 3% من المناطق المتاخمة لها (الأشرفية، زقاق البلاط والباشورة)، و11% من مناطق عقارية أخرى في بيروت16. بعد بيروت، احتلّت مدينة طرابلس النسبة الأعلى من البلاغات (23.3%)17

بالنظر إلى بيروت الكبرى، يتبيّن لنا أنّ 30% من البلاغات جاءت من المنطقة الممتدّة عملياً على طول الساحل اللبناني بين خلدة وضبية وعلى السفوح الغربية لأقضية عاليه وبعبدا والمتن، بينها وبنسبٍ بارزة، 9.2% من البلاغات من برج حمود التي تأوي حالياً السكان من ذوي الدخل المحدود والطبقة العاملة من جميع الجنسيات (اللاجئات\ين، والعمال المهاجرين)، إلى جانب بلاغات متعدّدة أغلبها من المناطق الأقرب من بيروت الإدارية18. وقد توزّعت البلاغات المتبقية (22.2%) على مناطق لبنانية مختلفة، بينها بلاغات واردة من مدن رئيسية ومحيطها كصور، صيدا، زحلة وجونيه أو من مناطق أخرى خارج المدن الرئيسية وضواحيها19.

فيما يتعلّق بجنسيات المبلّغين، فقد جاءت النسبة الأعلى من التبليغات من حاملات\ي الجنسية اللبنانية (55.2%)، على عكس التقرير السنوي السابق الذي وثّق حالات تهديد السكن بين أوّل أيّار من عام 2021 وآخر شباط من عام 2022 والذي كانت فيه فئة اللاجئين/ات السوريين الفئة الأكثر تضرراً. بعد اللبنانيين/ات، كانت النسبة الأعلى للمبلغين من اللاجئين/ات من الجنسية السورية (27.6%)، وسجّلت بعدها فئة المهاجرين/ات نسبة 11.75%، وهي تضمّ أفراداً متضرّرين من أثيوبيا، الكاميرون، السودان، كينيا، أميركا، تركيا، ساحل العاج ونيجيريا. تُبيّن لنا هذه الأرقام، إلى جانب معرفتنا وإدراكنا للواقع اللبنانيّ الحالي الذي لم يعد يخفى على أحد، أنّ الأزمة الاقتصادية الحادة والمستمرّة إلى أجلٍ غير محدد، تُلقي بثقلها على اللبنانيين/ات وعلى الفئات الأكثر هشاشةً من اللاجئين/ات والمهاجرين/ات على حدٍّ سواء، خصوصاً فيما يتعلّق بالحقوق السكنية.

وقد وجدنا تفاوتاً ملحوظاً في نسب المبلّغين بحسب نوع الوصول إلى السكن. فقد حصدت البلاغات المتعلّقة بإيجارات جديدة20 الحصة الأكبر من البلاغات بنسبة 85.3%، مقابل 6.1% للإيجارات القديمة21 و3.1% في حالات الوصول إلى السكن من خلال التملّك. كما وثّق المرصد أنواعاً أخرى وأكثر هشاشة من الوصول إلى السكن، كالسكن بواسطة الإيجار في مخيمات اللاجئين، السكن بالتسامح، السكن مقابل عمل أو وظيفة، السكن من خلال وضع اليد أو من خلال الإيواء المؤقت لدى معارف. وقد يكون ارتفاع نسبة البلاغات للإيجار الذي يخضع لقانون الإيجارات الجديد، مؤشّراً على قصر هذا القانون -الذي يتحيّز بشكلٍ واضح في تشجيع الاستثمار العقاري بدل السكن المستدام- في حماية وصون الحقوق السكنيّة للمستأجرين. كما يشير ارتفاع نسبة هذه البلاغات إلى انتهاك صريح لهذا القانون الذي، وعلى الأقلّ، من المفترض أن يضمن الحق في استخدام المأجور لمدة ثلاث سنوات.

حجم الإخلاء ونطاقه

بحسب لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، "إنّ حالات إخلاء المساكن بالإكراه لا يمكن أن تكون مبرّرة إلا في بعض الظروف الاستثنائية جداً ووفقاً لمبادئ القانون الدولي ذات الصلة"22، حيث تشكّل ممارسة الإخلاء القسري انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان، كونها تمسّ بأمن الأفراد السكني. وبالرغم من ذلك، ومن ضمن مجمل البلاغات التي تلقّاها المرصد، تمّ رصد 92 حالة طلب إخلاء و13 حالة إخلاء منفّذ. 

تتّخذ طلبات الإخلاء أشكالاً متعددّة، لكنّها في غالبيتها غير قانونية. فيما يحدّد القرار رقم 501 الصادر بتاريخ 11/11/2002 عن القاضي المنفرد في بيروت، وجوب المؤجر اللجوء إلى القضاء لإخلاء المستأجر حين يرفض الأخير الإخلاء بالتراضي23، فإنّ الطلبات الشفهية شكلت نسبة 78.3%، مقابل 19.5% لطلبات الإخلاء المكتوب و2.1% للدعاوى القضائية. بالنسبة لطلبات الإخلاء المكتوبة، فقد صدر بعضها عن كاتب عدل (44.4%)، أو  محامٍ (33.3%)، كما أرسلت بلدية طرابلس 3 طلبات إخلاء مكتوبة لتشكّل نسبة 16.6%. وفي حين يكون المالك (68.5%) أو الوكيل أو الوسيط (26.1%) الجهة التي تطلب عادةً الإخلاء، فقد رصدنا أيضاً 4 حالات (4.3%) جاء فيها طلب الإخلاء من قبل جهة رسمية (بلدية)، إضافةً إلى حالة واحدة (1.1%) طلبت فيها منظّمة غير حكومية الإخلاء بشكلٍ مؤقت، وهي حالة متعلّقة بمشروع ترميم أبنية سكنية تراثية متضرّرة من تفجير 4 آب. 

غالباً ما يترافق طلب الإخلاء مع ممارسات تعسفيّة، وبالفعل فقد تتبعنا 36 حالة ترافق فيها طلب الإخلاء مع ممارسات تعسفية. يشكّل التعدّي اللفظيّ الإنتهاك الأكثر شيوعاً (20)، يليه التهديد بالاعتداء (13 حالة)، ثمّ قطع الماء والكهرباء (8 حالات) وصولاً إلى دخول المنزل بالقوّة، حجز المستأجر خارج المنزل أو داخله، التهديد برمي ممتلكات المستأجر خارج المأجور، رفض تسلّم بدل الإيجار، وغيرها من الممارسات، أو حتّى عدّة ممارسات تعسفيّة معاً.

فيما خصّ خيارات السكن البديل للحالات المهدّدة بالإخلاء، فقد اعتبر 14.3% من الحالات المهدّدة بالإخلاء بأنّهم سيتعرضون للتشرّد في حال تمّ إخلاءهم، وسيسكن 11% منهم بشكلٍ مؤقت عند أصدقاء أو أقارب، فيما سيتمكّن 2.5% فقط من الانتقال إلى شقة مُلك، بينما أعربت النسبة الأكبر (74.8%) أنّها ستدخل في علاقة تأجيرية جديدة إذا ما تمّ إخلائها - ممّا ينبئ بتهديد مستمر للاستقرار السكني. تبقى البدائل المتوفّرة أمام الحالات المهدّدة بالإخلاء محدودة وهو ما يتسبّب غالباً بتدهور في حياة الأفراد والعائلات المهدّدة، خصوصاً بالنسبة للمهمشات\ين أو المستضعفات\ين في المجتمع، ويعرّضهم إلى الفقر المدقع والعوز.

بالنسبة للحالات الـ 13 المرصودة والتي نُفّذ فيها الإخلاء، فقد انتقل 6 منها إلى حيّ آخر ضمن المدينة ذاتها، وانتقل ثلاث منها ضمن الحي ذاته، بينما أُجبرت حالتان على الانتقال إلى خارج المدينة (الضواحي) وهو ما قد يُكبّدها نفقات إضافيّة مخصّصة للمواصلات؛ ولم تستطع سوى حالة واحدة الانتقال ضمن الحيّ نفسه، فيما انتقلت حالتان أيضاً إلى خارج البلد. 

يجدر الإشارة هنا، إلى تركيز لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تعليقها العام رقم 4 المتعلّق بالحق في السكن الملائم على أهميّة توفير ضمانات قانونيّة تحظر ممارسة التمييز والتعسّف، وتعزّز الإجراءات القانونية الواجبة والإنصاف الإجرائي بما فيها التشاور والمشاركة في صناعة القرار والوصول إلى سبل الإنصاف والتعويض وتوفير مأوى بديل لائق، ويشمل ذلك إمكانية تقديم الطعون أو الاستئنافات القانونية التي ترمي إلى منع عمليات الإخلاء المخطط لها من خلال إصدار أوامر قضائية بأمر من المحكمة؛ تأمين الإجراءات القانونية اللازمة لضمان الحصول على تعويض بعد الإخلاء غير القانوني؛ تقديم الشكاوى ضد الأفعال غير المشروعة التي يقوم بها الملاك فيما يتعلّق بتحديد قيمة الإيجار وصيانة المسكن وأيّ شكل من أشكال التمييز والشكاوى بخصوص ظروف السكن غير الصحية أو غير الملائمة؛ كما والبحث في إمكانية تيسير إقامة الدعاوى الجماعية في الحالات التي تنطوي على مستويات متزايدة بشكل كبير من التشرد.

انتهاكات الحقّ في السكن

غياب الحدّ الأدنى من الحماية القانونيّة لأمن الحيازة

بلغت نسبة المبلّغين من ذوي عقود الإيجار الشفهية 49.7%، كما وجدنا أنّ 23.9% من الحالات لا تملك أيّ سند يثبت قانونية إشغالها المأجور وشروطه. يضمن قانون الإيجارات اللبناني استمرارية الإجارة للمستأجر لأول ثلاث سنوات متتالية من تاريخ إبرام العقد - أكان العقد شفهياً أو مكتوباً. إنما غالباً ما يجد المستأجرون بعقود شفهية أنفسهم غير قادرين على إثبات شروط عقودهم وأحكامها، وهو ما يضعهم في موقف أكثر هشاشةً ويعرّضهم بشكلٍ أوسع لخطر الإخلاء. 

بالفعل، فقد بلغت نسبة الحالات التي طلب فيها المؤجر الإخلاء قبل انقضاء مهلة العقد -أي ثلاث سنوات- 40.5%، كما وصلت نسبة الحالات التي تغيّرت فيها قيمة الإيجار قبل انتهاء مدّة العقد إلى 58.9%، منها تبليغات عن زيادةً متكررةً لقيمة الإيجار خلال السنة (18.8%). وأخيراً، طُلب من 40.5% من الحالات المبلّغة الدفع بالدولار أو على سعر صرف السوق الموازية (بغير السعر المتفق عليه)، بحيث يتعرّض عدد كبير من المستأجرين، وبشكلٍ مستمرّ، إلى زيادات مرتفعة لبدلات الإيجار وعلى نحو غير معقول.

كما تعرّضت بعض هذه الحالات إلى ممارسات رامية إلى ترهيب المستأجر وحثّه على ترك المأجور، وهي مخالفة إضافية لقانون الإيجارات الذي يفرض على المؤجّر ألا يتعرّض للمستأجر بشكل يحرمه من الانتفاع من المأجور، وأن يضمن عدم تعرّض الغير له خلال هذه الفترة (انظر\ي إلى الجدول).

يشير كل ذلك ليس فقط إلى انتهاك واضح لقانون الإيجارات اللبناني، بل أيضاً إلى الحدّ الأدنى من الحماية القانونية التي يؤمّنها هذا القانون، وإلى مخالفة المعايير التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للحقّ في السكن اللائق، حيث ينبغي لكلّ فرد أن يتمتّع بدرجةٍ من أمن الحيازة تضمن له\ا الحماية القانونية من الإخلاء القسري لمسكنه\ا، ومن المضايقات، وغير ذلك من التهديدات. كما تشير هذه الممارسات إلى تحوّل في نمط العلاقات، باتّجاه أكثر استغلالاً من قبل المؤجّرين. وهو ما لم يكن ممكناً، لولا تفشّي ثقافة اجتماعية تقول بحق المالك بمُلكه، حتى ولو أدّى ذلك إلى الأذى والاستغلال والانتقاص من حقوق الغير. 

ظروف معيشيّة غير ملائمة وتدهور مستمرّ في صلاحية السكن 

من حيث قابلية السكن وصلاحيته، أظهرت المعطيات المتعلّقة بالبلاغات الموثّقة وجود عدد من الحالات التي تسكن في ظروف سكنية غير آمنة وتعدّ انتهاكاً صارخاً لهذا المبدأ، بحيث وصلت نسبة الوحدات السكنية التي تعاني من النشّ إلى 50.3%، إلى جانب 6.7% من الحالات التي تعيش في وحدة سكنية لا يدخلها النور والتهوئة. كما جاءت نسبة الوحدات السكنية التي لا تحمي سكانها من ظروف الطقس القاسية 17.2%، ويفتقد 14.7% منها إلى إمدادات الصرف الصحي الملائمة. 

كذلك، جاءت نسبة المستأجرين الذين يسكنون في مكان غير مخصّص للسكن 5.5%، غالبيتهم غير لبنانيين، منهم من يسكن في وحدة مستحدثة على السطح، في غرفة ناطور، كارافان أو مستوعب، خيمة غير ثابتة، أو منشأة قديمة أو تراثية غير مجهزة للسكن، وهم بأغلبهم عائلات للاجئين سوريين إضافةً إلى عائلة سودانيّة وأخرى لبنانية.

من جهةٍ أخرى، بلغت نسبة الذين يسكنون في وحدة سكنية مكتظة 28.8%، حيث يُجبر المزيد من الأفراد على مشاركة السكن ليتمكّنوا من تحمّل المصاريف. وقد بلّغت 27% من الحالات عن سكنها في مبانٍ ذات أقسام مشتركة غير سليمة. 

فيما خصّ الخطر الإنشائيّ، يشعر 23.9% من المبلّغين بالقلق حيال عوامل إنشائية تهدّد المبنى الذي يقطنون فيه، إن كان بسبب تشقّقات في المبنى، أو حديد ظاهر، فيض المياه الى داخل المبنى بشكل متكرر أو بسبب عدة عوامل مجتمعة. في الواقع، وجدنا خطراً إنشائياً حقيقياً يهدّد بعض هذه المباني، حيث يسكن 6.7% من مجمل المبلّغين في مبانٍ غير آمنة إنشائياً، والتي تمركز معظمها في مدينة طرابلس.

هذا ومع العلم بأن هذه الأرقام لا تغطي الفترة التي تلت الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، والذي كانت له تداعيات على لبنان، وبالتالي على الأبنية المتصدّعة والبنى التحتية المهملة في عدد من المناطق اللبنانية، أبرزها مدينة طرابلس. فقد فاقم الزلزال خطر انهيار المباني، ليضع آلاف السكّان تحت تهديد الإخلاء والتشرّد. على مرّ ثلاثة تقارير متلاحقة وسابقة للزلزال، لا تلبث المؤشرات المتعلّقة بخرق مبدأ صلاحية السكن، من حيث ضمان السلامة الجسدية لشاغلي المساكن وحمايتهم من المخاطر الهيكلية ومن كل ما يهدّد صحتهم، في الارتفاع، خصوصاً في مدينة طرابلس التي شهدت ومنذ عام 2019 سلسلة من أحداث انهيار لمبانٍ على رؤوس قاطنيها. فمع اشتداد الانهيار الاقتصاديّ في لبنان، والذي تتضاعف تبعاته على الفئات الأكثر هشاشةً، يتدهور وضع المساكن بشكلٍ مستمرّ، وتتناقص القدرة على ترميمها وتصليحها. يطرح هذا الواقع إشكالية متعلّقة بتدهور البيئة العمرانية وقدرة المباني المتصدّعة أصلاً على تحملّ تبعات الكوارث الطبيعية، وما لذلك من عواقب على حياة قاطنيها وتهديد لهم في ظلّ عدم توّفر سكن بديل، وفي ظلّ غياب أي خطة استجابة واستراتيجيّة رسمية فعالة، سابقة أو لاحقة، لإدارة مخاطر الكوارث وتأمين السلامة العامة.

انعدام القدرة على تحمّل التكاليف المتصاعدة المرتبطة بالسكن

ضمن البلاغات التي تابعها المرصد في هذا التقرير، شاركتنا 98 حالة البيانات المتعلّقة بقيمة بدل الإيجار الذي يقع على عاتق المستأجر، مقارنةً بدخله الشهري. وقد تبيّن أنّ 57.1% من هؤلاء ينفقون أكثر من ثلثي مدخولهم على السكن، بينهم 34.7%، ينفقون أكثر من النصف. وبين المستأجرين الذين بلّغوا عن مراكمة التخلّف في الإيجار، حوالي 6.1% لديهم إيجار متراكم لأكثر من ثلاث أشهر. 

بالمقابل، اعتمد 16.6% من إجمالي المبلّغين على أساليب غير ملائمة لهم لتأمين كلفة السكن، كالاستدانة أو طلب المساعدة لتأمين جزء أو كامل نفقات السكن (8%)، أو التخلّف عن دفع الإيجار لتأمين حاجات أخرى (10.4%). 

في ظلّ الأزمة الاقتصادية الحالية، ومع ارتفاع قيمة بدلات الإيجار، والتدهور المستمرّ لقيمة المدخول الشهريّ لجزءٍ كبير من الناس بشكلٍ عام والمستأجرين بشكلٍ خاص، لا بدّ أن تشكّل تكاليف السكن عبئاً متفاقماً وتصاعديّاً يقع على عاتق المستأجرين، وأن تكون هذه التكاليف غير متناسبة مع مستويات الدخل. بالفعل، استطعنا أن نلمس ذلك في الحالات التي تمّ رصدها، بحيث يشعر 58.3% من المبلّغين بخطر فقدان مساكنهم بسبب غلاء تكلفتها. وبالتالي، أصبحت تكاليف السكن تُهدِّد القدرة المالية، الفردية أو الأُسرية، وتقوّض القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية الأخرى.

علاوةً على ذلك، فقد تلّقى قطاع السكن المتأزّم أصلاً ضربةً جديدةً في أوّل شباط 2023، على إثر بدء تطبيق قرار رفع سعر الصرف الرسمي من 1500 ل.ل. للدولار إلى 15000 ل.ل.، والذي اتُّخذ دون أي اعتبار لتبعاته على بدلات الإيجار للمستأجرين (القدامى والجدد على حد سواء)، وأقساط المالكين الذين لا يزالون يدفعون ثمن شراء منازلهم، بحيث تضاعفت تكاليف السكن عشرة أضعاف بما فيها الضرائب ورسوم الخدمات، في ظلّ غياب أي تصحيح جدّي للأجور.

تردّي الخدمات والمرافق والبنى التحتية 

ينبغي أن يتوفّر في المسكن اللائق والملائم بعض المرافق الأساسية اللازمة للصحة والأمن والراحة والتغذية. في الواقع، وبحسب الحالات المرصودة، يفتقد المبلّغون للحد الأدنى من المقومات والخدمات الأساسية التي تجعل المنازل قابلة للسكن. وقد ظهر ذلك بشكلٍ جلّي بين الحالات التي تلقّاها المرصد، إذ بلغت نسبة الحالات التي ليس لديها إمكانية الوصول إلى الكهرباء أو أي مصدر طاقة آخر مثل الإشتراك أو المولّد، 29.4%. إضافةً إلى ذلك، فإن 36.2% من مجمل الحالات لا تتوفّر لديها الطاقة اللازمة للطهي والتدفئة والإنارة، و3.7% تفتقد إلى تدفئة، يضاف إليها نسبة مماثلة تفتقد التجهيزات اللازمة لتخزين المأكولات أو طهيها. وقد جاءت معظم هذه الحالات من طرابلس، بيروت وبرج حمود وطالت بشكلٍ أساسيّ حاملي/ات الجنسية اللبنانية واللاجئين/ات السوريين.

من جهةٍ أخرى، وبالنسبة لتوفّر مياه الشفة والشرب، يفتقر 8% من الحالات لمياهٍ صحية أو نظيفة ويعتمد 10.4% من المبلّغين على التعبئة من مراكز خاصة لبيع المياه، كوسيلة أساسية للحصول على الماء؛ حيث بلغت نسبة الحالات غير الموصولة بشبكة مياه الدولة 9.2%. وقد صرّحت نسبة 11% من مجمل الحالات المبلّغة عن افتقادها إلى مصدر مياه لفترات طويلة، حيث يعجز 4.9% منها عن الوصول إلى الماء لمدة يوم كامل أو أكثر. 

لابد من التشديد هنا، أنّه وفي حال توفّر هذه الخدمات الأساسية، فعادةً ما يتكبّد الأفراد أو الأسر تكاليف باهظة لتأمينها من اشتراك في كهرباء الدولة والمولّد الخاص واشتراك مياه الدولة والتعبئة من مراكز خاصة لبيع المياه، وقد تفوق قيمة هذه التكاليف قيمة مجمل بدلات الإيجار. 

مواقع سكنيّة عرضة لمخاطر التلوّث والمضاربة العقارية 

بالعودة إلى المعايير التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يفترض ألاّ يكون السكن اللائق في مواقع ملوثة أو قريبة من مصادر التلوث التي تهدّد حق السكان في الصحة. إلّا أنّه، وبين الحالات المرصودة، بلغت نسبة المبلّغين الذين يقع مكان سكنهم ضمن منطقة قريبة من منشآت صناعية أو مصادر ملوّثة 28.2%، وبلغت نسبة الذين يقع مسكنهم في موقع يعرضهم للخطر بسبب عوامل طبيعية 0.6%، وهو ما يمكن أن ينعكس سلباً على حالتهم الصحية على المدى الطويل ويمكن أن يشكّل تهديداً لحياتهم. وقد جاءت أبرز هذه الحالات من مناطق قريبة من مطامر نفايات (مطمر خلدة، برج حمود، مطمر صيدا) أو معامل حرارية لتوليد الطاقة الكهربائية (معملي دير عمار والزوق)، التي تقع أحياناً في مناطق مكتظة بالسكان وهي عادةً ما لا تراعي المعايير الصحية اللازمة. 

من ناحية أخرى، يكون السكن لائقاً عندما لا يتم تشويه علاقة السكان بمحيطهم. إنّما وبحسب البلاغات، يسكن 43.6% من الحالات في أحياء تتعرّض للهدم أو المضاربة العقارية أو لمشاريع كبرى، وهو ما يدمّر النسيج العمراني، وينبئ أيضاً بموجات إخلاء قد تتفاقم مستقبلاً في هذه الأحياء. 

ءكما يقتضي على السكن الملائم أن يكون في موقع يتيح إمكانية الاستفادة من خيارات العمل وخدمات الرعاية الصحية والمدارس وغير ذلك من المرافق الاجتماعية. ويجدر أن نأخذ بعين الاعتبار التكاليف المترتّبة على التنقل بين المسكن وهذه المرافق التي قد تفرض ضغوطاً إضافية على ميزانيات الأسر. مع ذلك، ووفق الحالات الموثّقة في هذا التقرير، يسكن 7.4% من الحالات المبلّغة بعيداً عن مكان عملهم، ما يُكبّدهم مصاريف إضافيّة متعلّقة بتأمين المواصلات، كما يسكن 2.5% منهم في مناطق لا تتوفّر قربها وسائل النقل. ورغم انخفاض نسبة الحالات التي لا تتواجد مدارس (0.6%) أو خدمة الاستشفاء(0.6%) على مقربة منها، إلّا أنّ جزءاً كبيراً من الأطفال يرتادون مدارس قريبة من سكنهم (94 طفل) إضافةً إلى 6 طلّاب في جامعات قريبة من سكنهم. يتعرّض هؤلاء إلى تهديدٍ إضافيّ في حال أُجبرت عائلاتهم على إخلاء مساكنها ولم تجد مسكناً آخر في المحيط نفسه، في ظلّ ارتفاع قيمة المواصلات، وهو ما سيؤدّي إلى تكبّد هذه العائلات نفقات إضافية تُضاف إلى مجمل النفقات المخصّصة للسكن. 

تمييز اجتماعي وثقافي

لا يمكن النظر إلى الحقّ في السكن اللائق بمعزل عن التمتّع الكامل بسائر حقوق الإنسان، كالحقّ في حرية التعبير عن الهوية الثقافية والاندماج الاجتماعي، الحقّ في حرية تكوين الجمعيات أو اللجان المحلية، والحقّ في المشاركة في اتخاذ القرارات العامة بما يشمل جميع الفئات خصوصاً المهمشة منها. 

أمّا بالنسبة للحالات التي تمّ رصدها خلال هذه الفترة، فقد عبّر 52.1% من المبلغين عن أنهم لم يستطيعوا نسج علاقات ودية مع المحيط، كما صرّح 94.5% منهم بأنهم غير قادرين على الانخراط في إطار تنظيمي محلي، لعدم وجود لجان مبنى أو حيّ أو عدم إمكانية الانخراط في هذه اللجان إن وُجدت. في 4.3% من الحالات المبلّغة صرّح المتّصلون عن عدم شعورهم بالأمان في محيطهم لتعرّضهم للمضايقات بسبب طبقتهم الاجتماعية أو هويتهم الجندرية أو نوعهم الاجتماعي. كما يواجه 0.6% منهم منع تجوّل (وضعته بعض البلديات) موجّه ضد اللاجئات\ين في الحيز العام في منطقة سكنهم، وتواجه نسبة مشابهة من المبلّغين قيود أمام ممارستهم لتقاليد مرتبطة بثقافتهم أو دينهم.

بينما ينصّ القانون الدولي على ضرورة ضمان الوصول للسكن بعيداً عن أي نوع من التمييز في المعاملة، يتمّ استضعاف بعض الأفراد واستغلال هشاشتهن\م بسبب خلفياتهن\م الاجتماعية، العرقية، الثقافية، الجندرية أو الدينية المختلفة وافتقادهن\م للامتيازات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، بهدف فرض شروط سكن غير لائقة أو آمنة. كما يتعرّض هؤلاء للمضايقة ولكل أشكال التمييز من قبل المحيط، المؤجر أو الوكيل، لدفعهن\م على الإخلاء أو لفرض شروط جديدة فيما خصّ قيمة بدلات الإيجار بشكلٍ غير عادل. ويرتفع احتمال تعرّضهن\م للتمييز في المعاملة من قبل الجهات الأمنية والقضائية، في حال اللجوء للتبليغ عن انتهاك حقوقهم السكنية وتقديم شكاوى ضد المضايقات والاعتداءات.

من جهةٍ أخرى، بلغت نسبة الذين ليس لديهم القدرة على التصويت في الانتخابات البلدية أو النيابية ضمن نطاق سكنهم 85.3%. بذا لا يستطيع أغلب المستأجرين24 المشاركة فعلياً في اتخاذ القرارات العامة ويتمّ بالتالي إقصاءهن/م في القضايا المختلفة خصوصاً بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة من نساء، فئات شابة، لاجئات/ين، مفقّرات\ين وغيرهن\م. 

في هذا الإطار إذاً، يغيب التضامن الاجتماعي والدعم والمؤازرة الجماعية المتوقّعة في حالات الظلم التي يتعرّض لها السكّان. بمعنى أن السياق القانوني الجائر من جهة، لا يُقابله تضامن اجتماعي أو شبكة حماية اجتماعية تسمح للسكان المهدَّدين بالإخلاء، بالاعتماد عليها لتقوم بتشكيل بديلٍ عن التهميش القانوني. وبذلك، يعاني الإطار الحالي للحق بالسكن مستويات متعدّدة من التآكل والاهتراء، بفعل تخلّي القانون والمجتمع عن حماية السكان، ممّا يضع هؤلاء وحدهم وبشكل منفرد، أمام قوانين السوق والممارسات التعسّفية للمؤجّرين.

تجاهل حاجات كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة

من ضمن مجمل الأفراد المتأثّرين بالتهديدات على مستوى السكن، أشخاص معوّقون حركياً وقد بلغ عددهم 6 أفراد، يسكن 66.7% منهم في مسكن غير ملائم لهم، في ظل غياب التجهيزات للكراسي المتحركة في المدخل والمصعد،أو تكون الشقة نفسها غير مجهّزة للكرسي المتحرك. كما عبّر 16.7% منهم عن تعرّضهم للتمييز خلال عملية البحث عن سكن.

أمّا بالنسبة للمسنّين، فقد بلّغ 22.2% منهم عن أنّهم يسكنون أيضاً في مسكن لا يتلاءم مع احتياجاتهم، حيث يكون المبنى غير مجهّز بمصعد أو درج ملائم لحركة المسنّين. فغالباً ما لا يؤخذ بالحسبان التنوّع في احتياجات الناس ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السنّ، ولا تراعى حقوقهم في العيش ضمن مجتمعهم والسكن اللائق والتنقل الآمن والمستقل، بالرغم من وجود القانون 220/2000 الخاص بحقوق الأشخاص المعوّقين، كما وتوقيع لبنان على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعوقين.

القوانين اللازمة والبرامج والممارسات الضرورية لضمان توفير السكن الميسر واللائق للجميع

من خلال تدخّلات المرصد (انظرن\وا إلى الرسم) لتقديم الدعم القانوني أو الاجتماعي اللازم للحالات التي تواجه هذه التهديدات، تبيّن لنا وبشكلٍ واضح مدى قصور القوانين في حماية الحقّ في السكن اللائق في لبنان. فقد أظهرت هذه التدخلات، خصوصاً القانونيّة منها، محدودية الإطار القانوني المتاح، بالأخصّ فيما يتعلّق بقانون الإيجارات اللبناني، في رعاية وحماية وتعزيز الحقّ في السكن في لبنان. في هذا الإطار، يبدو واضحاً بأن القانون لا يؤمن الاستدامة الكافية في السكن، إذ أنّه يضمن استمرارية الإجارة للمستأجر فقط لأول ثلاث سنوات متتالية من تاريخ إبرام العقد، وهي مدّة غير كافية بتاتاً لتأمين الاستقرار والأمن السكنيّ للأفراد أو الأسر، ويؤكّد كذلك تحيّز القانون الواضح في تشجيع الاستثمار العقاري بدل السكن المستدام، حيث يضبط القيمة التأجيرية والحق في استخدام المأجور لمدة ثلاث سنوات فقط. فبعد انقضاء هذه المدّة، يحقّ للمؤجر رفع قيمة بدل الإيجار دون وجود أي سقف لذلك ودون الاعتماد على أي نوع من المعايير المتعلّقة بمستويات الدخل أو نسبة التضخّم السنويّة أو غيرها من المعايير.

من جهةٍ أخرى، يفرض القانون على المؤجّر ألا يتعرّض للمستأجر بشكل يحرمه من الانتفاع من المأجور، وأن يضمن عدم تعرّض الغير له خلال هذه الفترة. لكنّه في الحقيقة لا يؤمّن الحماية الفعليّة ضد ممارسات المؤجّر التعسفيّة التي لا تشكلّ جرم يعاقب عليه القانون. فلا رادع أمام المؤجّر في قيامه بممارسات تعسفيّة ضدّ المستأجر أو مضايقته حيث لن يتمكّن المستأجر في الكثير من الحالات تقديم شكوى للدفاع عن حقوقه.

فيما خصّ الإخلاء، فعلياً لا رقابة حقيقيّة على عمليات الإخلاء في لبنان، وبالرغم من تشديد اللجنة الدولية المكلّفة رصد تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تعليقها على التقارير الخاصة بالحقّ في السكن التي أرسلتها الدولة اللبنانية عامي 1993 و2015، لوضع آلية واضحة يجدر اتّباعها في عمليات الإخلاء والالتزام بالشروط التي وضعتها هذه اللجنة في تعليقها العام رقم 7 المتعلّق بالإخلاء، فقد تقاعست الدولة اللبنانية عن الالتزام بهذه التوصيات، وما زالت أغلب عمليات الإخلاء تتمّ بطرق غير قانونيّة وتعسفيّة. كما لا يتوّفر أمام المستأجر أيّ آلية قانونيّة أو مرجع قانونيّ أو قضائي يلجأ إليه لضمان حقّه والمطالبة بتعويضات أو استعادة المأجور، بحال الإخلاء القسري. 

وفي حين أنّ القانون الدولي قد شدّد على ضرورة ألا تُسفر عمليات الإخلاء عن تشريد الأفراد أو تعريضهم لانتهاك حقوق أخرى من حقوق الإنسان، وحمّل الدولة المسؤولية لاتخاذ كل التدابير المناسبة وبأقصى ما هو متاح لها من موارد، لضمان توفير مسكن بديل ملائم لهم، في حال عجز المتضرّرون عن تلبية احتياجاتهم بأنفسهم، تغيب في لبنان الحماية الحقيقية للحقّ في السكن حيث يُسمح بتشريد السكان الأكثر تهميشاً، دون توفّر خطّة للتعامل مع ظاهرة التشرّد، والتي من المتوقّع أن تتفاقم في ظلّ الأزمة الحالية. أمّا التدبير الوحيد الذي تعتمده السلطات المحليّة في هذا الصدد هو عدم السماح للمواطنات\ين بالاستفادة من الأماكن العامة من خلال الطرد المستمر للأفراد اللواتي والذين يلجؤون إلى المجال العام، لإخفاء مظاهر التشرّد ونفي وجود المشكلة، بدلاً من إيجاد حلول جدية ومستدامة لها، وبدائل سكنية لمن يُجبرن\ون عليها. 

بذا، تبرز اليوم، وأكثر من أيّ وقت مضى، أولويّة تعزيز الحق في السكن وضرورة وضع خطة طارئة ضمن سياسة شاملة لإحقاق الحقّ في السكن؛ خطة تأخذ بعين الاعتبار شرائح المجتمع كافةً من عائلاتٍ، وعمّال، ومسنّين، ونساء، وأشخاصٍ معوّقين، وطلابٍ ولاجئات\ين وغيرهم.

وبما أنّ "توفير المسكن للمواطن هدف ذو قيمة دستورية، ينبغي على السلطتين الاشتراعية والإجرائية رسم السياسات ووضع القوانين الآيلة إلى تحقيقه" - كما صرّح المجلس الدستوري اللبناني في أحد قراراته الصادرة عام 2014، بعد إقراره أنّ الحق في السكن "هو من الحقوق الدستوريّة الأساسيّة استناداً إلى الشرعات الدولية" - نرى ضرورة العمل على إصدار قانون شامل للحق في السكن، تكون مكوّناته:

  • توفير وإنتاج سكن لائق للفئات الهشة، وذلك استناداً لقانون الإسكان ٥٨/١٩٦٥ وقانون البلديات ١١٨/١٩٧٧. 

  • سياسة ضريبية تضبط المضاربات العقارية وتحافظ على القيمة الإجتماعية للأرض من خلال منع تضخّم أسعارها وتساهم في الحفاظ على مخزون من الشقق الميسّرة وفي الحدّ من الشغور. 

  • دور فاعل للدولة في تنظيم الإيجار السكني بوسائل تشمل فرض ضوابط مرنة علـى رفـع أسعار الإيجار وتقييد عمليات الإخلاء بما يتّسق مع التزاماتها الدولية في مجال الحق في السكن

  • أُطُر تشريعية ومؤسسية داعمة لمختلف أشكال الحيازة وترتيباتها، كالحيازة الجماعية والإسكان التعاوني، والتي من شأنها تأمين السكن الميسّر لذوي الدخل المنخفض.

  • برامج ومشاريع تهدف لتوطيد السكن في المناطق غير الرسمية، وحمايته، والبحث عن حلول موضعيّة لتحسين ظروفه. 

  • تعزيز إنشاء لجان سكان محلية، وتوسيع أدوارها لتشمل العمل من أجل الحقوق السكنية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، لتنشط على مستوى الأحياء والقرى والمناطق، وتكون رافعة لاهتمامات الناس ومطالبهم.

فيبقى الدعم المحلي والخارجيّ ضرورةً للعمل نحو إصدار هذا القانون واعتماد هذا التوجّه والدفع نحوه.

 

يعمل مرصد السكن على توثيق حالات تهديد السكن، وبناء تضامن جماعي ودعم الحق في السكن للجميع دون تمييز، كما يضغط نحو سياسات سكنية دامجة.

بلّغ/ي عن انتهاك حقك بالسكن الآمن واللائق والمستدام عبر Send us a Whatsapp message على الرقم  81017023، أو عبر البريد الالكتروني: info@housingmonitor.org.

 

المراجع:

1. يتضمّن التهديد الناتج عن تكلفة السكن: الإيجار المتراكم، تعديل قيمة بدلات السكن الشهرية (فرض دفع الايجار بالدولار، رفع قيمة بدل الإيجار بالليرة، اعتماد سعر السوق للدولار، اعتماد سعر مغاير للسعر الرسمي للدولار، زيادة/ ارتفاع قيمة النفقات والمستحقات المرتبطة بالسكن)، التعثر في دفع قرض السكن. 

2. يتضمّن التهديد الناتج عن ممارسات وظروف ضاغطة غير متعلّقة بكلفة السكن: الظروف السكنية السيئة، طلب فسخ العقد، مضايقات/تعديات من المؤجر، مضايقات تعديات من المحيط، تقييد حرية استخدام المأجور، خطر إنشائي، التطوير العقاري، خلافات حول حق الملكية.

3. يُنسب النهج الشهابي أو المدرسة الشهابية إلى رئيس الجمهورية اللبنانية الثالث فؤاد شهاب الذي قام بعدة إصلاحات إدارية خلال عهده.

4. بحسب مسح أجراه مختبر بيروت الحضري عام 2019 تناول العقارات التي شيّدت بين 1996 و 2018،  والتي يبلغ عددها أكثر من سبعة آلاف شقة موزعة في أنحاء المدينة.

5. IMLebanon | تعرفة الكهرباء 20 مرة أعلى!

6. بالاستناد إلى منصَّة «مدينة مستأجرين» التي طوَّرها مختبر المدن في الجامعة الأميركية في بيروت.

7. باللغة العربية: القروض السكنية تفاقم اللامساواة | مرصد السكن (housingmonitor.org)، باللغة الإنجليزية: Home Loans Exacerbate Inequality | مرصد السكن (housingmonitor.org)

8. بحسب تقرير البنك الدولي المعنون "المرصد الاقتصادي للبنان: الإنكار الكبير"، بلغ معدل التضخّم عام 2021 في لبنان 145% في المتوسط، ليسجل ثالث أعلى معدل على مستوى العالم بعد فنزويلا والسودان. (الأزمة في لبنان: إنكار كبير في ظل حالة كساد متعمّد (albankaldawli.org)). وبلغ معدل التضخّم السنوي لسنة 2022 %171.2 حسب دراسة مؤشر أسعار الإستهلاك الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي في لبنان (Central Administration of Statistics - Economic statistics (cas.gov.lb))

9. بحسب تقرير البنك الدولي المعنون "المرصد الاقتصادي للبنان: الإنكار الكبير"

10. باللغة العربية: بين سندان الحق في السكن ومطرقة الأزمة الاقتصادية: شبح الإخلاء يهدّد العمال الأجانب والمهاجِرين واللاجئين | مرصد السكن (housingmonitor.org)، باللغة الانجليزية: Migrant workers and refugees are facing a dilemma as the specter of eviction hovers in an economic crisis threatening the right to housing | مرصد السكن (housingmonitor.org)

11. عملاً بالمادتين 16 و17 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966).

12. بحسب التعليق العام رقم 4: الحق في السكن الملائم (المادة 11(1) من العهد) (1991) المادة 13. باللغة العربية: CG4_ar.doc (live.com)، باللغة الإنجليزية: Refworld | General Comment No. 4: The Right to Adequate Housing (Art. 11 (1) of the Covenant)

13. يجمع هذا التقرير النتائج التي تمّ توثيقها في ثلاث تقارير دورية سابقة.

14. وصل 139 بلاغاً عبر الخطّ الساخن للمرصد، 18 بلاغاً عبر فريق المرصد على الأرض، 11 عبر مجموعات/أفراد متعاونين مع المرصد وبلاغين عبر البريد الإلكتروني.

15.  بينها 70% لعائلات نواة و12.2% لعائلات موسّعة.

16. المزرعة، المصيطبة ورأس بيروت.

17. يعود سبب ارتفاع نسبة البلاغات الواردة من مدينة طرابلس مقارنةً بالتقرير السنويّ السابق إلى تكثيف جهود الفريق الميداني لمرصد السكن في المدينة ونشر الخطّ الساخن للمرصد بشكلٍ متواصل بين الأحياء المختلفة، وذلك بعد ورشة عمل بحثية لاستديو أشغال عامة في طرابلس تحت عنوان "مساحة بحثية تشاركية لتفعيل الحق في المدينة والسكن في طرابلس" جرت في تشرين الأول 2021 وشاركت فيها مجموعة مُختارة من سكان المدينة. ظهرت خلال هذا البحث عدد من الإشكاليات التي تعاني منها المدينة بينها تدهور البيئة المبنيّة، والتي نتج عنها ورود عدد من البلاغات المتعلّقة بمبانٍ غير آمنة إنشائياً وتهديدات انهيار مبان سكنيّة في أحياءٍ مختلفة من طرابلس.

18. تشمل البلاغات الواردة من بيروت الكبرى منطقة برج حمود، سن الفيل، القبة الشويفات، فرن الشباك، البوشريّة، الشيّاح، الجديدة، النّقاش، برج البراجنة، جل الدّيب، حارة حريك، الروضة، والشويفات.

19. البدّاوي، إيعات، المنية، زحلة أراضي وزحلة معلقة أراضي، زوق مكايل، صربا، قبّ الياس، مجدليّا، جب جنّين، النبطيّة التّحتا، بر الياس، برسا، برقايل، بشامون، بليبل، تمنين التّحتا، جبيل، درب السيم، سعدنايل، صور، صيدا، عرمون، عمارة البيكات، عين الرّيحانة، كامد اللوز وكفار دلاقوس.

20. صدر قانون جديد للإيجارات في لبنان عام 1992، يُطبَّق عند إبرام العقود الجديدة (بعد عام 1992)، وهو قائم على مبدأ التعاقد الحرّ.

21. نُظمت عقود الإيجار منذ أربعينيات القرن الماضي وحتى عام 1992 في لبنان على مبدأ ضبط الإيجارات وفق ما يُسمى بـ"قانون الإيجار القديم".

22. بحسب التعليق العام رقم 4: الحق في السكن الملائم (المادة 11(1) من العهد) (1991) المادة 18. باللغة العربية: CG4_ar.doc (live.com)، باللغة الإنجليزية: Refworld | General Comment No. 4: The Right to Adequate Housing (Art. 11 (1) of the Covenant)

23. كما يُلزم الإنذار لإنهاء العقد الخطي كالشفهي، على أن يكون الإنذار الخطّي القانوني بواسطة الكاتب بالعدل أو عبر البريد المضمون (Liban Post). ويتوجب فيه على المؤجر إعطاء المستأجر مهلة كافية للإخلاء، حدّدها العرف القانوني بمدّة لا تقل عن شهرين. وبجميع الأحوال، لا يحق للمالك تنفيذ الإخلاء بنفسه، وعليه تقديم طلب إخلاء أمام القضاء المختصّ في حال تعذّر على المستأجر ترك المأجور خلال مهلة الشهرين.

24. ينطبق ذلك على السكان بشكلٍ عام وليس فقط المستأجرين وذلك بسبب "نظام القيد" المتّبع في لبنان حيث ترتبط المسارات التمثيلية الرسمية في لبنان بمكان القيد لا مكان السكن وتسديد الضرائب.