شرعية المساكن أم الحق بالسكن فيها؟: مشاريع سكنيّة وتحوّلاتها غير الرسمية في صيدا وطرابلس

Studies

بالتسلسل الأبجدي

كتابة: تالا علاء الدين، ريان علاء الدين، مايا سبع أعين
تحرير: جنى نخال
البحث الميداني في طرابلس: رياض الأيّوبي، ريان علاء الدين
البحث الميداني في صيدا: براء الحريري، ريان علاء الدين
إنتاج الخرائط والرسوم البيانية: أسماء الغراوي، ريان علاء الدين

 

١. مقدمة

٢. مشاريع الدولة السكنية في سياق تاريخي

٣. بين الرسمي وغير الرسمي: هشاشة أمن الحيازة

٤. الدولة تهدّد بالإخلاء من مشاريعها الإسكانية

٥. مضاربات السوق تحاصر الوظيفة الاجتماعية للمشاريع السكنية

٦. السكان في ظروف غير ملائمة

٧. كيف ندافع عن الحق بالسكن عندما يكون وضع الحيازة غير مقبول قانونياً؟


۱.المقدمة

المدن هي أماكن للتفاعل والتبادل بين أشخاص يختلفون حول معظم الأشياء. فالمدينة، بكثافتها وجاذبيتها المستمرة للوافدين الجدد والمهاجرين، تُشكّل نسيجاً من عدم التجانس، وهو نسيج قد يضمن "اللقاء مع الاختلاف" (ميتشل، ٢٠٠٣) الذي يعرّف ويميّز مفهوم المدينة [1]. ولكي ينجح حقاً هذا "اللقاء مع الاختلاف" التي تكلّم عنه ميتشل، يجب أن يكون العمل من أجل الحق في المدينة - أي عيش أشخاص ومجموعات متنوعة طبقياً وثقافياً في أحيائها - أمراً أساسياً، لا في تكوين المساحة الحضرية فحسب، بل في سيرورتها بشكل يومي، كمكانٍ مُعاشٍ، متنوّعٍ، حيّ.

في غياب الأُطر الرسمية التي تضمن استيعاب المدن لسكّانها والقادمين الجُدد إليها، يجد هؤلاء سُبلهم غير الرسمية لإثبات وجودهم فيها. تلخّص هذه العملية أبرز الدوافع لنشوء المناطق والأحياء غير الرسمية في مدن دول الجنوب التي تنمو بمعدّلات لا مثيل لها من حيث الأحجام والكثافات.

شكّل العمران غير الرسمي محور الدراسات الحضرية منذ سبعينيات القرن الماضي، واختلف الخبراء والباحثون والمسؤولون حول تسميتها، كلّاً بالاستناد إلى رؤيته و/أو أجندته الخاصّة. فشاع استخدام مصطلح Slums أو "عشوائيات" لوصفها، واعتمدته مؤسسات الأمم المتّحدة والبنك الدولي والمؤسّسات التمويلية الكبرى، فيما رأى البعض أن الأنسب اعتماد المصطلح اللاتيني Informality أو الذي لا يتبع الأطر الرسمية للوصول إلى الأرض والسكن، فيما لم يجرِ اعتماد تعريف عالمي موحّد. من ناحية، عرّف برنامج الأمم المتّحدة للمستوطنات البشرية (الموئل) ما يسمّيه "عشوائيات" بأنها المناطق الحضرية التي يفتقر سكانها إلى واحد أو أكثر من الشروط التالية: مسكن يحمي من الظروف المناخية القاسية؛ مسكن بمساحة كافية للعيش، تناسب عدد الأفراد؛ سهولة الحصول على المياه الصالحة للشرب؛ صرف صحي مناسب؛ أمن حيازة يحمي من عمليات الإخلاء القسري[2]. من ناحية أخرى، ركّزت بعض التعريفات على الشرعية القانونية كمعيار لتحديد هذه المناطق[3].

في لبنان، لم تُصدر الدولة تعريفاً للأحياء غير الرسمية، بعكس ما فعلت مصر [4]، ودول عربية وإقليمية أخرى. في هذا التقرير، نستند إلى مقاربة الأحياء غير الرسمية كعملية ديناميكية في إنتاج المدينة. نقول بأنها ديناميكية لأنّ العمران غير الرسمي يتحدّى أنظمة التخطيط المديني - أو الصناعة الرسمية لمساحة المدينة - نظراً لأن الوصول إلى الأرض - من خلاله - لا يقوم على ملكية الأرض أو المسكن، بل يتم تحديده من خلال المفاوضات وعمليات البناء العُرفية التي تأتي نتيجة العلاقات الاجتماعية، فضلاً عن انعكاس علاقات القوة المسيطرة. وتصبح بذلك المساحة المادية للأحياء غير الرسمية انعكاساً مباشراً لنمو العائلات واحتياجاتها المتغيّرة وقيمة الحيّز الجماعي المشترك عندها، أي أن الحيّز المبني يتكوّن في هذه الحالة، نتيجة حاجة الأفراد والعائلات والجماعات من جهة، وقدرتها على التفاوض على كيفية استخدامه.

بدأت نواة الأحياء غير الرسمية تتبلور في لبنان، تحديداً في المدن الكبرى كبيروت وطرابلس وصيدا وصور، قبل أربعينات القرن الماضي[5] بفعل النزوح المتمثّل بموجات وصول الأرمن والسريان في العشرينات، ووصول اللاجئين الفلسطينيين بعد نكبة 1948. اتّسعت هذه المناطق مع وصول النازحين من الأرياف إلى المدن في الخمسينيات - لا سيّما بسبب تمركز الاقتصاد في العاصمة والمدن وتهميش باقي المناطق - ومع التهجير بعد كوارث طبيعية، وتكثّفت خلال الحرب الأهلية وبعد العدوان الإسرائيلي المتكرّر. في العام 2001، قُدّرت نسبة سكان الأحياء غير الرسمية بـ50% من النسبة الإجمالية لسكان المدن في لبنان[6]، ولا شكّ أن هذا الرقم ارتفع بنسبة كبيرة بعد وصول النازحين السوريّين بدايةً من عام 2011.

ليس الانتشار الكبير للمناطق غير الرسمية حالةً استثنائية في لبنان، ففي عام 2010، بلغ عدد سكان المدن القاطنين في المناطق غير الرسمية في دول الجنوب العالمي 33%[7]، ولم يتدنّ هذا الرقم بشكلٍ ملحوظٍ من حينها، نظراً للسياسات العامة المتّبعة بشأن الأرض والسكن. إذ لطالما كان الوصول للسكن الرسمي الميسّر واللائق - على الرغم من كونه حقاً أساسياً من حقوق الإنسان - وإتاحة الأراضي بأسعار معقولة، أبرز التحدّيات في هذه الدول، ولا سيّما لبنان. فمنذ استقلاله، يتم تداول الأراضي في لبنان كسلع، بشكلٍ متوازِ مع استحالة إمكانية الوصول إلى السكن إلا من خلال السوق[8]. وعليه، بدا في الكثير من الأحيان أنّ الحلّ الوحيد المتاح للفئات الأقلّ دخلاً والأكثر هشاشة يتمثّل في اللجوء إلى السكن في الأحياء غير الرسمية.

تستعرض الدراسات السابقة لهذه المناطق مزيجاً متنوّعاً لشروط الملكية والحيازة[9]، المتمثلة بـ: إفراز غير رسمي للأرض؛ وضع يد على أراضي عامة أو خاصة؛ بناء غير رسمي في كل من الممتلكات العامة والخاصة؛ أسواق إيجار تأوي الفئات الأكثر ضعفاً؛ وعمران "استثنائي" للمخيمات الفلسطينية. أمّا ظهور العمران غير الرسمي وتطوّره داخل مشاريع الدولة السكنية أو انطلاقاً منها، فهو ما أهملته البحوث القائمة. لسدّ الفجوة، نحاول في ما يلي فهم خلفية ظهور الاستخدامات غير الرسمية لمشاريع الدولة السكنية في لبنان وتطوّرها. من خلال ذلك، نطرح أسئلة نراها محورية حول أمن الحيازة ومستقبل السكن في لبنان: من ناحية، ماذا يخبرنا النشوء الرسمي لمشاريع الدولة السكنية وتطورها غير الرسمي؟ وما هي تجليات هذه المشاريع في السياق المحلي وما هي إشكالياتها المختلفة؟ من ناحية أخرى، كيف نحافظ على الوظيفة الاجتماعية لمشاريع الدولة السكنية وندافع عن حقوق السكن فيها؟

يعتمد التقرير على تحليل 35 مقابلة مُعمّقة، أجريت بين تمّوز وأيلول 2022 مع عيّنة من سكان بعض مشاريع الدولة السكنية الموجودة في مدينتيّ طرابلس وصيدا ومحيطهما. توزّعت المقابلات على الشكل التالي: 6 مقابلات في المساكن الشعبية (الميناء – طرابلس)؛ 8 في منطقة المنكوبين (البداوي – طرابلس)؛ 6 في مشروع إسكان قاطني خان العسكر (التبانة – طرابلس)؛ 15 في الأحياء والأقسام المختلفة من مشروع التعمير (صيدا)[10]. ركّزت المقابلات على فهم تاريخ إنشاء هذه المشاريع وتطوّرها، وكيفية وصول السكان إلى السكن فيها، وواقعها الحالي. وترافقت المقابلات مع تعبئة إستمارات وثّقت مدى انتهاك الحق في السكن اللائق داخل هذه المشاريع، بالاستناد إلى معايير وخصائص وضعتها لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية[11]. كما استند التقرير إلى مواد استُخلصت من أرشيف وزارة التصميم العام الملغية، وعلى مراجعة أدبية لدراسات وكتابات سابقة حول هذه المواضيع.

۲.مشاريع الدولة السكنية في سياق تاريخي

تظهر اليوم أهمية تأمين المسكن للعدد الأكبر من الناس، في ظل غياب أي مقاربة تطرحها الدولة تبيّن ولو اهتمامها لما يجري كل يوم من تهجير وإخلاءات. لكن الغياب المزمن لدور الدولة الرعائي في هذا القطاع لم يكن هو الحال دائماً، والإثبات هو في عدد العقارات المسمّاة "أراضي الدولة المخصصة للسكن"، ومشاريع الإسكان الإجتماعي\الشعبي التي قامت بها الدولة اللبنانية، في الماضي - تحديداً بين عامي 1956 و1974.

تشير سجلّات وزارة المالية المتعلّقة بكافة أملاك الدولة العقارية إلى وجود عددٍ ملحوظ من العقارات المبنية وغير المبنية التي تملكها الدولة، والمسجّلة في السجلات العقارية تحت أسماء وزارات، أو مصالح، أو مديريات تُعنى بالسكن[12].

استُملكت هذه العقارات تدريجياً، بدءاً بمرحلة الخمسينيات، حين تمّ إنشاء "المصلحة الوطنية للتعمير" على إثر الفيضانات المتكرّرة لنهر أبو علي في طرابلس بين عامي 1955 و1956، والزلزال الذي ضرب قرى الشوف والجنوب في عام [13]1956. حينها، استملكت المصلحة عقارات في 67 منطقة عقارية في مختلف المناطق التي أصابها الزلزال – من بينها مدينة صيدا – لإعادة إسكان المتضرّرين والمهجّرين، وكذلك استملكت عقارات في ضواحي طرابلس الشمالية لإنشاء مساكن ومدينة جديدة لمنكوبي الفيضان. جاء هذا التدخّل كحلّ مُجتزأ – وليس ضمن سياسة إسكانية شاملة - عرضته الدولة على مواطنيها لمواجهة موجات التهجير الجماعي التي أصابتهم من تأثير كوارث طبيعية.

بين أواخر الخمسينيات وأوائل السبعينيات، بدا التدخّل أكثر جدّية، إذ افترضت السلطات أن توسّع المناطق غير الرسمية مؤقّت، وأن الوضع يمكن تجاوزه عبر إيواء ما اعتبرتهم الدولة يومها "معوزين" وذوي الدخل المتواضع والمحدود من المواطنين، فأُجريت عدّة دراسات، وصدرت عدّة تقارير وتوصيات حول ضرورة إنشاء مساكن شعبية عامّة في عدد من المناطق اللبنانية لهذه الغاية[14]. وعلى الرغم من كثرة الدراسات والاقتراحات، لم يُبصر النور سوى مشروعي مساكن شعبية أحدهما في مدينة صور، والآخر في مدينة الميناء (طرابلس).

بعد هذه المرحلة – تحديداً خلال الحرب الأهلية وبعدها – نادراً ما استملكت الدولة عقارات جديدة بهدف الإسكان، واقتصر الاستثمار الحكومي في قطاع السكن على مشاريع سكنية عامة معدودة أُنشئت لغايات محدّدة، نذكر منها مشروع القبة في طرابلس[15]، ومشروع "إعادة إسكان قاطني وشاغلي خان العسكر" في طرابلس أيضاً.

مستند يلخّص المرحلة الأولى من برنامج عمل وضعته مصلحة الإسكان في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عام 1972 لبناء مساكن شعبية في بعض الأقضية اللبنانية (المصدر: أرشيف وزارة التصميم العام).

عندما خطّطت الدولة اللبنانية وبنَت مشاريع سكنية خلال الخمسينيات والستينيات أو في فترةٍ لاحقةٍ، لم تُنتج مخزوناً كافياً من المساكن يستجيب لحاجات الفئات التي ليس بإمكانها الوصول إلى سكن السوق. هذا من جهة، من جهةٍ أخرى، وضعت نظاماً خاصّاً لكل مشروع يحدّد شروط وكيفية الاستحصال على مسكن فيه، سواءً عبر الشراء أو الإيجار، والالتزامات المترتّبة على المستفيدين من المساكن، وأبرزها التصريح عن الدخل. إنّما لم يستوفِ الشروط في حينها، عدد كبير من العائلات التي تقدّمت بطلبات – تحديداً شرط الحدّ الأدنى للدخل – ووُضع الكثيرون على قوائم الانتظار للحصول على مسكن. زيدي على ذلك، أن بعض مشاريع الدولة السكنية المُخطّطة لم يتمّ تشييدها أصلاً، أو شُيّدت جزئياً ولم يتمّ استكمالها بسبب الحرب الأهلية أو نقص التمويل. أما ما شُيّد منها بالكامل، فإمّا لم تُستكمل فيه معاملات تسليم المساكن للمُستفيدين وبَقي خالياً من السكان، أو أُهملت إدارته وغابت الرقابة عنه لسنين طويلة. كل هذه الأسباب، مقرونة بسنواتٍ من النزوح الإقليمي والداخلي والحروب الأهلية والكوارث الطبيعية (أنظري أعلاه)، شكّلت أرضية لتحوّل مشاريع الدولة السكنية المبنية إلى حيّزٍ إضافيٍ للسكن غير الرسمي. فمن احتاج إلى مسكن تمكّن من الوصول إلى مخزونٍ جاهزٍ من المساكن من خلال هذه المشاريع، دون الاضطرار إلى استغلال أي أرضٍ خاصّةٍ أو عامّةٍ لبنائه. وقد تمكّنت العائلات من ذوي الدخل المحدود من الوصول للسكن في هذه المشاريع بدعمٍ من قبل الأحزاب اليسارية والحركات الشعبية الراديكالية آنذاك، مثل حزب التنظيم الشعبي الناصري في صيدا والحزب الشيوعيّ في طرابلس. ومهّدت عملية الاستحواذ غير الرسمي على مساكن في المشاريع السكنية الرسمية إلى ظهور ترتيبات حيازة معقّدة - لا تتبع بالضرورة القانون والأطر الرسمية القائمة - سوف نستعرضها في الأقسام التالية من التقرير.

٣. بين الرسمي وغير الرسمي: مَن يؤمّن الحيازة؟

يشكّل أمن الحيازة جزءاً لا يتجزّأ من الحق في السكن اللائق، إذ ينبغي أن يتمتع كل فرد بدرجةٍ من أمن الحيازة تضمن له\ا الحماية القانونية من الإخلاء القسري لمسكنه\ا، ومن المضايقات، وغير ذلك من التهديدات. أثبت البحث بأن غالبية سكان المشاريع السكنية العامة القائمة في لبنان لا يحظون بالاعتراف القانوني الكامل بشرعية سكنهم. فقد أظهرت نتائج تعبئة 35 استمارة، وثّقت مدى إنتهاك الحق في السكن اللائق داخل أربع من هذه المشاريع، أن حوالي 31.4 ٪ فقط من الحالات الموثّقة هي لمستأجرين حائزين على عقود إيجار مكتوبة، فيما 48.6 ٪ من الحالات ليس بحوزتهم أي مستندٍ مكتوبٍ يُثبِت قانونية إشغالهم المساكن وشروط الإشغال، و 22.9٪ من كافّة الحالات هي لمستأجرين شغلوا المساكن بموجب اتّفاقات/عقود شفهية. إنّ رفض المؤجّرين إعطاء المستأجرين عقودَ إيجارٍ مكتوبة بات ممارسة شائعة في لبنان خلال السنوات الأخيرة، وفقاً لتقارير مرصد السكن. وليس التهرّب الضريبي هو السبب الوحيد لهذا الرفض، بل إنّ غياب السند المكتوب يضمن للمؤجّرين سهولة تعديل بدل الإيجار ومدّته، وبالتالي حرّية إنهاء العلاقة التأجيرية متى شاؤوا[16]. 17.1٪ من كافّة الحالات هي لسكّان وصلوا للسكن من خلال الاستقرار في مساكن شاغرة في المشاريع السكنية العامّة التي لم تُنجز بشكلٍ كاملٍ أو توقّف العمل بها بسبب أحداث أمنية أو اندلاع الحرب، سواء أكانت مشاريع مصلحة التعمير، أو المشاريع التي كانت جزءاً من الخطة الإسكانية الوطنية خلال الستّينات.

واللافت أنّ 20 ٪ من الحالات هي لسكّان يشغلون مساكن بموجب عقود بيع "مؤقّتة" أصدرتها السلطات العامة. أتت هذه الحالات من مشروع التعمير في صيدا، وهو المشروع الذي سوف نركّز عليه فيما يلي لفهم التعقيدات المتعلّقة بأمن الحيازة، وتأثيرها على حياة الناس، وتلاعب الأحزاب الطائفية بها لتكريس الولاءات والزبائنية.

 

على إثر الزلزال الذي ضرب قرى الشوف والجنوب عام 1956، كان لمدينة صيدا نصيباً كبيراً من الأضرار، فتدمّر عددٌ كبيرٌ من المنازل، وتهجّر سكانها. وبعد إنشاء المصلحة الوطنية للتعمير برئاسة إميل البستاني، تعاون هذا الأخير ومجلس إدارة المصلحة، مع عددٍ من المهندسين[17] بهدف وضع تصاميم لإعادة تعمير المنازل المهدّمة أو إيجاد بدائل سكنية للمتضرّرين. واستعانت المصلحة أيضاً بالمهندس الفرنسي ميشال إيكوشار كاستشاريّ، وهو الذي قاد وضع دراسة تخطيطية شاملة لمدينة صيدا في حينه[18]. بنتيجة الدراسة، وقع الاختيار على منطقتي الدكرمان والمية ومية العقاريتين على حدود صيدا لإقامة الأبنية السكنية الجديدة التي أُطلق عليها تسمية "مشروع التعمير" نسبةً للمصلحة الوطنية للتعمير[19]. قامت المصلحة باستملاك نحو ١٣٥ ألف مترٍ مربّعٍ من عقارات منطقة الدكرمان العقارية، وما يزيد عن ٧٠ ألف مترٍ مربّعٍ من منطقة المية ومية. وتمّ تصميم أبنية سكنية من عدّة طوابق تراوحت مساحة المساكن فيها بين٦٠ و٩٠ مترٍ مربعٍ[20]، بالإضافة إلى فيلّات صغيرة للعائلات الميسورة، مؤلّفة من طابقين مع حديقة خاصّة.

 

 

قدّم المهتمّون باستلام مسكن في المشروع طلباً لدى مصلحة التعمير[21]، وبعد قبوله، دفعوا ١٠ ٪ من سعر المسكن خلال أسبوعين قبل الموعد المحدّد لاستلامه، وكان عليهم تسديد المبلغ المتبقّي كأقساطٍ متساويةٍ موزّعةٍ على عدد من السنوات. بناءً عليه، تمّ توقيع عقود بيع مؤقّتة معهم[22]، إلى حين نقل ملكية المسكن إليهم بعد تسديد كامل الأقساط. إلّا أن هذه العملية تعطّلت بدايةً من عام 1975 حين اندلعت الحرب الأهلية، وتوقّفت الدولة عن قبض مستحقّاتها. وكان للتطوّرات الأمنية والسياسية والاختلالات المالية المتكرّرة تداعيات مباشرة على مدينة صيدا حالت دون محاولات جدّية لمتابعة فرز المساكن بشكلٍ نهائيٍّ. زد على ذلك أن التنظيم المدني أصدر سنة 1967 مخطّطاً توجيهياً إشكالياً لمدينة صيدا[23] شمل نطاق منطقة التعمير دون أن يلحظ وجود مباني المشروع، وبالتالي، زادت التعقيدات أمام الفرز وحصول قاطني المساكن على سندات ملكية.

هذا في ما يتعلّق بوضع سكان مشروع التعمير الذين دفعوا بعض مستحقّاتهم أو كاملها قبل 1975 ولم يحصلوا على سندات ملكية بعد. غير أن الزلزال لم يكن الكارثة الوحيدة التي حلّت بصيدا، إذ لحقه فيضان للبحر تهدّمت على أثره بعض مباني الواجهة البحرية في المدينة التاريخية، فسكن المتضرّرون الذين خسروا بيوتهم شققاً في التعمير دون تقديم طلبات. إضافةً إلى ذلك، شغلت عائلات كانت بحاجة إلى السكن الميسر بعض المساكن، دون أن تُنظَّم لها أي عقود، وقامت عائلات أخرى بحاجة إلى السكن أيضاً بتوسيع المساكن القائمة وإجراء إضافات عليها بشكلٍ غير رسميّ لاستيعاب عددٍ أكبرٍ من الأفراد[24]. حصل ذلك بدعمٍ تنظيمي من قبل الحركات الشعبية اليسارية في المدينة آنذاك[25]. كل هذه التعقيدات، والتفاوت الكبير في المبالغ المترتّبة على الفئات الأربع المذكورة، أدّت إلى التأخير في متابعة إجراءات الحيازة[26].

تعقّد الأمر أكثر مع مرور السنوات، إذ اضطرّ العديد من سكان المشروع إلى ترك مساكنهم فيه، إمّا بسبب الحاجة لتحسين مستواهم المعيشي عبر الانتقال إلى أحياء أخرى، أو بسبب الحاجة إلى مصدر دخلٍ ماديٍّ. عمد هؤلاء إلى تأجير مساكنهم بعقودٍ شفهيةٍ، أو "بيعها" إلى لبنانييّن وفلسطينيّين بطريقة غير رسمية - لأنهم لا يملكون سندات ملكية - بموجب عقود بيع تنظم لدى كاتب العدل. هنا، تخبرنا لطيفة (اسم مستعار) أنها عندما تزوّجت، "اشترت" شقة في التعمير الوسطاني من أبو فؤاد (اسم مستعار) الذي كان حاصلاً على عقد مؤقّت باسمه من مصلحة التعمير. عند الشراء، أعطاها أبو فؤاد العقد المؤقّت، وأبرم معها عقداً لدى كاتب العدل. وبالتالي، تملك لطيفة اليوم مستندين: العقد المؤقّت الذي لا يزال باسم أبو فؤاد، وعقد البيع الجديد باسمها. وتضيف لطيفة أنها في حال أرادت بيع الشقة، عليها أن تسلّم الشاري الجديد المستندين، وأن توقّع معه عقد بيع جديد لدى كاتب العدل، وبذلك يصبح بحوزته ثلاث مستندات، وهكذا دواليك.

عقد بيع مؤقّت تمّ تسليمه لأحد طالبي السكن في مشروع التعمير عام 1964 بعد دفعه ١٠ ٪ من سعر المسكن.

 

إيصالات دفع الأقساط سلّمتها وزارة المالية لطالب السكن في مشروع التعمير.

مع مرور الزمن، تحوّلت تعقيدات الحيازة إلى ورقةٍ سياسيةٍ بيد أحزاب المدينة الطائفية تستخدمها متى شاءت لمصالحَ انتخابية. فالنائب بهيّة الحريري، ممثّلة تيّارالمستقبل في صيدا، كانت تتردّد إلى المشروع قبل كل دورة انتخابية لتعدَ بعض سكّانه بإصدار سندات الملكية لهم. في موازاة ذلك، أثمر ضغط هؤلاء المستمرّ عليها وعلى نواب صيدا والمؤسّسة العامة للإسكان[27] إقرار مجلس النواب قانوناً معجّلاً مكرّراً[28] سنة 2017 يرمي إلى استكمال عمليّة ضمّ وفرز عقارات التعمير، تمهيداً لإصدار سندات الملكية[29]. في هذا الإطار، يشير روني لحّود، المدير العام للمؤسسة العامة للإسكان، إلى أن سندات الملكية ستوزّع حصراً على فئتين: اللبنانيون الذين يملكون "براهين ملكية"، حتى لو لم يكونوا من السكان الحاليّين للمشروع؛ اللبنانيون الذين سكنوا أو شغلوا أراضٍ أو أقسام لا يملكها أفراد آخرون[30]، قبل عام 1994. أما اللبنانيون الذين سكنوا التعمير بعد الـ 1994 دون أي مستندات، وغير اللبنانيين، فلن يحصلوا على سندات ملكية، وستبقى ملكية المسكن الذي يشغلونه للمؤسسة العامة للإسكان[31]. كما تنصّ القوانين على إخلاء هؤلاء الشاغلين[32].

بنت الدولة مشروع التعمير في صيدا لتأمين الحيازة لشريحة محدّدة من الناس - أولئك المتضرّرين من الزلزال - ضمن رؤية محدّدة لخطتها في سياق دراسة إيكوشار التي حدّدت هذه المنطقة على أنها امتدادٌ للأحياء المترفة للمدينة[33]. بالتالي، حرمت الطبقة المفقّرة من مساحات قابلة للبناء والسكن، ممّا دفع آنذاك الحركات الشعبية اليسارية لدعم المجموعات الباحثة عن سكن ميسّر للوصول للسكن بشكلٍ غير رسميّ في المشروع.

اليوم، بعد عشرات السنين، يجد ذوو الحيازة الرسمية حقّهم بالحيازة منتهكاً ومعلّقاً بيد الأحزاب الطائفية التي تتدخّل بين الفينة والفينة لتؤمّنه بهدف كسب ولائهم، ومن ليسوا من ذوي الحيازة الرسمية - وهم من الفئات الأكثر احتياجاً وهشاشة - يجدون أنفسهم مهدّدين بالإخلاء، ويُمارس بحقهم تمييز على أساس الجنسية وعدم حملهم براهين ملكية، في غياب أي حركة سياسية أو اجتماعية/شعبية تدافع عنهم.

يشكّل مشروع التعمير في صيدا تلخيصاً لتاريخٍ من تقاذف مسؤولية تأمين الحيازة بين الرسمي وغير الرسمي في السياق اللبناني، ويسلّط الضوء على ضرورة توسيع مفهوم الحيازة في إطارها القانوني، وبالتالي الاجتماعي.

 

النموذج الأول من أبنية مشروع التعمير. يتالّف من 4 طوابق، وفي كل طابق ممرّ خارجي يمكن الولوج منه إلى 8 شقق. كلّ شقّة مؤلّفة من غرفة واحدة ومطبخ وحمّام. (الصورة من التعمير الوسطاني، أيلول 2022).

 

النموذج الثاني من أبنية مشروع التعمير. المبنى يتألّف من قسمين لكلّ منهما درج. الدرج يصل إلى شقّتين في كلّ طابق. مساحات الشقق في هذا النموذج متنوّعة. (الصورة من التعمير الوسطاني، أيلول 2022).

 

نموذج إحدى الفيلات في مشروع التعمير. كلّ فيلا مؤلّفة من طابقين بمساحة صغيرة، مع حديقة أو فسحة أمامية. (الصورة من منطقة الفيلات، أيلول 2022).

 

٤.الدولة تهدّد بإخلاء السكان من مشاريعها الإسكانية

تشكّل ممارسة الإخلاء القسري انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان كونها تمسّ بأمن الأفراد السكني. وقد تتسبّب بتدهور حياة المهمشات\ين أو المستضعفات\ين في المجتمع، وتمنعهم من تحسين ظروف حياتهم، وتؤدّي إلى تركهم في فقر مدقع وعوز. توثّق بيانات الاستمارات المعبّأة للحالات الـ35، ضمن مشاريع الدولة السكنية الأربع موضوع البحث، أن 14.3٪ من هذه الحالات هي لسكان مهدّدين بالإخلاء، وهم جميعهم من المستأجرين. بلغ عدد طلبات الإخلاء الشفهية 3 من أصل العدد الإجمالي، وُجّهت من قبل "أصحاب" المساكن في المشاريع - ولا نقول المالكين لأنّ الملكية للدولة - إلى عائلات لبنانية وسورية، على حدٍّ سواء، سكنت بيوتها منذ أقلّ من 5 سنوات. بينما قُدّم طلبا إخلاء عن طريق توجيه إنذار مكتوب لعائلات مُستأجرة مضى أكثر من 10 سنوات على سكنها في المساكن المطلوب منها تركها، وسبق أن تعرّضت لإخلاءٍ سابق. والجدير بالذكر أن من التقيناهم من سكّان المشروع أكّدوا أن طلبات الإخلاء المكتوبة لا تنحصر بالطلبين الموثّقين في العيّنة، وأن عددها أكبر من ذلك. إنذارات الإخلاء المكتوبة هذه وُجّهت من قبل بلدية طرابلس إلى سكان مشروع "إعادة إسكان قاطني وشاغلي خان العسكر"، وبالتالي سنركّز فيما يلي على هذا المشروع لفهم تاريخ وصول الناس للسكن فيه، والسياق الذي نتجت عنه التهديدات السكنية المختلفة، ومن بينها طلبات الإخلاء.

 

خان العسكر هو مبنى عسكريّ مملوكي تمّ بناؤه خلال النصف الأخير من القرن الرابع عشر في محلّة الدبّاغة في طرابلس. تغيّرت وجهة استعماله، في القرن الثامن عشر، فأصبح خاناً يُستخدم كمساكن مؤقّتة للعابرين – التجار والجنود والمسافرين، وبقي كذلك خلال الفترة المتبقية من العهد العثماني، وفترة الاستعمار الفرنسي، والسنوات الأولى من عمر الجمهورية اللبنانية[34]. مع حصول النكبة الفلسطينية عام 1948، وصل إليه عشرات اللاجئين الفلسطينيّين وسكنوا فيه[35]. وفي عام 1955، أي بعد فيضان نهر أبو علي في المدينة، لجأ إليه عدد كبير من المتضرّرين، للسكن بشكلٍ مؤقّتٍ فيه بتوجيهٍ من المصلحة الوطنية للتعمير ريثما تعوّضهم أو تؤمّن لهم البديل. حينها، كان الخان ملك الدولة اللبنانية، تحديداً وزارة المال.

بين عامي 2006 و2011، تقرّر ترميم الخان كجزء من مشروع الإرث الثقافي في المدينة، وبتمويلٍ مشتركٍ من البنك الدولي، والوكالة الفرنسية للتنمية، ووكالة التعاون الإيطالي، على أن يُنفِّذ الترميم مجلس الإنماء والإعمار. إلّا أن خطّة الترميم ترافقت مع إخلاء الخان من سكّانه، بهدف تحويله إلى موقعٍ أثريٍّ خالٍ من الناس، وخارج إطار استخداماتهم (سكن، تجارة، الخ.)، لكي تستغلّه بلدية طرابلس سياحياً، بدلاً من ترميمه وإبقاء السكّان فيه مع منحهم حقوق الحيازة. ولتفادي تبعات الإخلاء، أُجبرت الجهات المذكورة أعلاه على وضع "خطة إعادة إسكان قاطني وشاغلي خان العسكر".

قامت هذه الخطّة على بناء ثلاث مبانٍ سكنية (بلوكات أ، ب، ج) على عقارات تملكها بلدية طرابلس في محيط الخان[36]، بهدف نقل سكان الخان "المُستحقّين" إليها[37]، وفقاً لعقود إيجار موقعة بينهم وبين بلدية طرابلس ببدلات إيجارٍ رمزية (٥٠٠ ل.ل. / م2 شهرياً)، ولمدّة 3 سنوات غير قابلة للتجديد إلّا بعقد جديد موقّع من الطّرفين. ترافق هذا القرار مع اعتراضات عديدة من الأهالي الذين رفضوا مغادرة الخان دون أي ضمانات سكنية طويلة المدى، ودون الحصول على سند ملكية شقة يُعتبر بمثابة تعويض عن التهجير جرّاء الفيضان. إلّا أن ضغوطات مورست على هؤلاء - كما عبّر بعضهم خلال المقابلات التي أُجريت معهم - عندما أعلمت البلدية الممتنعين أو المتأخّرين عن التوقيع، أنها ستضطّر للتعامل معهم بصفة "شاغلين غير شرعيّين" وليس "متضرّرين"، وعندها يسقط حقّهم في الحصول على مسكن بديل في المشروع الجديد، ما أجبر الأهالي مُكرِهين على توقيع العقود[38]. وبالتالي، نُفّذت عملية نقل السكان على مرحلتين[39]: في كانون الأول عام ٢٠٠٩، انتقلت ٣٨ عائلة إلى الشقق المخصّصة لها ضمن المبنيين الجاهزين (أ) و (ب)؛ وفي تموز ٢٠١١، انتقلت ٣٣ عائلة إضافية إلى المبنى (ج)[40].

 

بالاطّلاع على النسخة المُستحدثة من "خطّة إعادة إسكان قاطني وشاغلي خان العسكر"[41]، التي صدرت عن مجلس الإنماء والإعمار وبلدية طرابلس في ١٦ كانون الثاني ٢٠١٢، يُذكر بأن المال الذي ستحصل عليه البلدية من عملية جمع الإيجارات في المشروع السكني سيتمّ استعماله من قبلها لصيانة المباني. لكن، من ينظر اليوم - أي بعد مرور حوالي 10 سنوات على بناء المشروع ونقل السكان إليه - إلى حالة المباني يرى كمية الإهمال وانعدام الصيانة فيها. من هذا المُنطلق، يمتنع عددٌ كبيرٌ من قاطني المشروع عن دفع الإيجار للبلدية باعتباره "بدل صيانة" وليس "بدل إيجار"، متمسّكين بحقّهم بالحصول على سكنٍ بديلٍ مستدامٍ كتعويضٍ عن تضرّرهم من الفيضان. "ما بقى في إهتمام فينا، ليش بدنا ندفع؟ استهتروا فينا، خلص كبّونا ومشي الحال، بمعنى أنتو دبّروا حالكم"، يقول شفيق (اسم مستعار)، أحد السكان الذين أُجريت معهم المقابلات. امتناع بعض السكّان وتأخرهم عن الدفع حرّك بلدية طرابلس التي ما لبثت أن أرسلت لهم إنذارات تُعلمهم بضرورة الدفع تحت طائلة مراجعة السلطة القضائية وإخلائهم. ففي يوم الإثنين الواقع في 16 تشرين الأول 2017، تلقّى شفيق، إنذاراً من البلدية المذكورة تدعوه فيه إلى دفع المبلغ المتوجّب عليه ضمن مهلة قانونية محدّدة بشهر من تاريخ التبليغ، وإلّا ستضطرّ إلى مراجعة السلطات القضائية المختصّة، لإسقاط حقّه في التمديد القانوني، والحجز على أمواله المنقولة وغير المنقولة، وتحميله، بالإضافة إلى البدلات المستحقّة، مصاريف الدعوى وأتعاب المحامي. شفيق ليس الوحيد المهدّد بالإخلاء، فهو أخبرنا أن عدداً ليس بقليلٍ من سكان المشروع السكني تلقّوا إنذارات إخلاء مماثلة، صودف أن يكون اثنان منهم ممّن أجرينا معهم المقابلات (2 من أصل ست مقابلات). والجدير بالذكر أن بلدية طرابلس اكتفت بإرسال إنذارات إخلاء مكتوبة لغاية عام 2019، حين بدأت معالم الأزمة الاقتصادية اللبنانية تتضّح، ولم تتّخذ أي خطوات تصعيدية بعدها، أو تُنفّذ إخلاءً فعليّاً لأيٍّ كان من سكان مشروع "إسكان قاطني وشاغلي خان العسكر" حتى الآن.

إنذار بالإخلاء وبوجوب دفع بدل الإيجار المتراكم، موجّه من قبل بلدية طرابلس إلى أحد سكّان بلوك (ج) في مشروع إعادة إسكان شاغلي وقاطني خان العسكر.

 

ممّا لا شكّ فيه، يُشكّل هذا المشروع سابقة في قطاع السكن الشعبي\الاجتماعي في تاريخ لبنان المعاصر، حيث موّلت الدولة والجهات المانحة بيوتاً سكنية بترتيبات ميسّرة. إلا أن المشروع يحمل معه إشكاليات بنيوية، أبرزها أن تقوم الجهات الرسمية - هنا السلطة المحلية أو بلدية طرابلس - بعد بناء المشروع، بتناسي إدارته وصيانته، وتعود إليه فقط للتحصيل أو طلب الإخلاء، وأن يُطلب الإخلاء من فئات اجتماعية هشّة، فتواجه خطر التهجير للمرّة الثالثة بعد أن هُجّرت مرّة جرّاء الفيضان وتدمّرت مساكنها ولم تحصل على تعويضها المستحقّ، وهُجّرت مرّة أخرى بعد إخلائها من الخان.

في هذا الإطار، يحرص القانون الدولي (والذي التزم لبنان تطبيقه عندما ضمّه إلى مقدمة دستوره) على وجوب تأكّد السلطات من ألّا يؤدّي الإخلاء إلى تشريد الأفراد أو تعريضهم لانتهاك حقوق أخرى من حقوق الإنسان، وهو ما لم تفعله البلدية بطبيعة الحال. هنا لا بدّ من الإشارة إلى أن ما يجري في طرابلس لا يختلف كثيراً عمّا يجري في مشروع التعمير في صيدا، حيث سيتمّ إخلاء عدد كبير من سكان المشروع - من بينهم الفئات الأكثر هشاشة - بموجب قوانين التمليك الصادرة، في انتهاكٍ واضحٍ للحق في السكن.

:

مشروع إعادة إسكان قاطني وشاغلي خان العسكر - بلوك (ج) (تمّوز 2022).

 

 كمية الإهمال في الأقسام المشتركة في مشروع إعادة إسكان قاطني وشاغلي خان العسكر، والتي تدفع سكّانه إلى الامتناع عن دفع بدل الإيجار لبلدية طرابلس المسؤولة عن صيانة هذه الأقسام (تمّوز 2022).

 

٥.مضاربات السوق تحاصر الوظيفة الاجتماعية للمشاريع السكنية

تشكّل تكاليف السكن المالية إحدى أبرز معايير الحق في السكن، ويجب ألّا تُهدِّد استدامة السكن أو تقوّض القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية الأخرى. في هذا الإطار، أنشأت الدول الرعائية، في العديد من بلدان العالم، مشاريع سكنية عامّة بهدف توفير السكن الآمن لذوي الدخل المنخفض والمتوسط بتكاليف بسيطة، وحماية حقهم بالسكن من قوانين السوق والمضاربات العقارية كإحدى تدخّلاتها الأكثر وضوحاً في المجال السكني. اليوم، وبعد عقود من إنشاء هذه المشاريع، يجدر التساؤل حول مدى استمرارية دورها الاجتماعي، تحديداً في السياق اللبناني.

عند تعبئة استمارات العيّنة المؤلّفة من 35 حالة، تمّ تجميع بيانات 19 مُستأجر، أعرب 31.6٪ منهم عن شعورهم بخطر فقدان مساكنهم بسبب غلاء تكلفتها. 5 من المستأجرين عاطلين عن العمل، وهناك 6 حالات لسكّان في مشروع إسكان قاطني وشاغلي خان العسكر الذي ذكرناه سابقاً، يدفعون قيمة إيجار رمزية تتراوح بين 30 و80 ألف ليرة لبنانية شهريّاً، فيما يدفع القسم الأكبر ممّن وافقوا على الإفصاح عن دخلهم الشهري، أي 12 حالة، بدلات إيجار شهريّة تتراوح بين 800 ألف ومليون ليرة لبنانية، مع متوسّط دخل شهريّ بالليرة اللبنانية يصل إلى حوالي 3 ملايين ليرة، علماً أن 90٪ منهم لا تشمل قيمة إيجارهم أي خدمات، وبالتالي يدفعون تكلفتها بشكلٍ منفصل.

قيمة بدلات الإيجار هذه قريبة جدّاً من إيجارات عدد من المناطق الأخرى في مدينتي طرابلس وصيدا. فعلى سبيل المثال، في التقرير الأخير الصادر عن مرصد السكن (تقرير حزيران - آب 2022)، تمّ تحليل 38 حالة تبليغ وصلت من طرابلس - من خارج مشاريع الدولة السكنية - وتبيّن أن معدّل بدلات إيجار المبلّغين يصل إلى حوالي مليون ليرة لبنانية[42]. وبالتالي، يبدو أن تكلفة السكن في مشاريع الدولة السكنية لم تعد استثنائية وباتت خاضعة لقوانين السوق. في ما يلي، نركّز على مشروع المساكن الشعبية في الميناء (طرابلس) كأحد مشاريع الدولة السكنية التي استقطبت عدداً كبيراً من المستأجرين على مرّ الوقت. سنحاول فهم تاريخ الوصول للسكن في هذا المشروع، وكيفيّة دخوله السوق العقارية، وتأثير ذلك على سكّانه.

 

المساكن الشعبية هي مشروع سكني عام يقع في مدينة الميناء (طرابلس)، تمّ بناؤه كجزء من برنامج عمل وضعته وزارة العمل والشؤون الاجتماعية خلال الستينيات لإنشاء مساكن شعبية في مختلف الأراضي اللبنانية[43]. بين عامي ١٩٦٧ و١٩٦٨، استملكت الوزارة أجزاءً من 11 عقاراً[44] عبارة عن بساتين، لبناء المشروع الذي شمل 200 مسكناً بمساحاتٍ مختلفةٍ لتغطية حاجات فئات ثلاث: المعوّزين، والميسورين، وذوي الدخل المحدود[45]. وتشير بعض المصادر إلى أن المشروع قد يكون أُنشئ لإسكان موظّفي معرض طرابلس الدولي[46]. كان يحقّ للبنانيين وغير اللبنانيين الإستفادة من المساكن لكن بشروط[47]، على أن تُحدَّد أسعار الشقق بحسب حجمها، وتُقسّط على مدّة ١٠ سنوات. أُجريت عملية تلزيم بناء المساكن الشعبية عام  1970[48]، لكن مع اندلاع الحرب الأهلية، توقّفت أعمال البناء عام 1975 بعد تشييد 197 مسكناً وشقّ الطرق، بحيث لم يبقَ سوى أعمال التوريق والطرش والدهان. حينها، قدمت مجموعة من العائلات واستقرّت في المساكن الخالية. أتى بعض أوائل القادمين من خارج المدينة، خلال الحرب الأهلية، وحرب التوحيد، وبعد مجازر تلّ الزعتر، فيما أتى بعضهم الآخر من الأحياء القريبة في الميناء، كالحارة الجديدة وحي رأس الصخر[49]، أملاً بتحسين مستوى معيشتهم، خاصّةً أن الظروف السكنية في هذه الأحياء متدهورة. بالنسبة للحارة الجديدة التي تُجاور المساكن الشعبية والتي لا تبعد سوى نصف كيلومتراً عنها، فكانت تفتقد للطرقات المعبّدة، ولشبكات المياه والصرف الصحي السليمة، ممّا يعني أن الانتقال من الحارة الجديدة إلى المساكن الشعبية المبنية حديثاً كان للكثيرين حينها بمثابة ارتقاء في الوضع السكني، خصوصاً أنَ المساكن الشعبية تميّزت بتصاميم معمارية أكثر جهوزية ووساعة[50]، كما أن الانتقال من السكن في الحارة إلى السكن بطريقة غير رسمية في المساكن الشعبية كان وسيلة للتخلّص من عبء دفع بدلات الإيجار.

شكّل هذا المشروع إذاً، وعلى مدى عقود، جاذباً لأهالي الريف والمدينة، وزادت رغبة السكن فيه مع الأزمات المتلاحقة. استكملت العائلات بناء المساكن على طريقتها، وغيّرتها لتستوعب عدداً أكبر من الأفراد. كما تمّ بناء مساكن إضافية، معظمها بسقوفٍ من تنك أو إترنيت، وأُضيفَت طوابق على المباني الموجودة لاستثمارها وتأجيرها للقادمين الجُدد. هكذا دخل مشروع المساكن الشعبية في سوق الإيجارات المتفاقمة، وهو لا يزال يتوسّع حتى اليوم[51]. وكان أبرزها عندما شهد الحي ارتفاعاً كبيراً في الكثافة السكانية وعمليّات التأجير مع قدوم اللاجئين السوريين إلى لبنان[52]. أمّا المحرّكون الأساسيون لهذه العمليّات فكانوا أفراداً محلّيّين لديهم القدرات المالية اللازمة، أمثال الشيخ العبّوشي وحرب العبّوشي وفاطمة حمادة وغيرهم. عمل هؤلاء كسماسرة ومطوّرين محليّين، وقاموا ببناء غرفٍ جديدة على أراضٍ غير مشغولة أو غير مبنية في محيط المساكن الشعبية، إن كانت هذه الأراضي ملكاً للدولة أو أراضٍ خاصّة، للقيام بتأجيرها والاستفادة منها[53].

بطبيعة الحال، لا شكّ أنّ لجوء السوريّين واللبنانيّين من ذوي الدخل المحدود للاستئجار في المساكن الشعبية ارتبط في تلك الفترة بانخفاض قيمة بدلات الإيجارات في المشروع مقارنةً بمناطق وأحياء أخرى في مدينة طرابلس، إذ تشير المقابلات مع السكّان إلى أن معدّل بدلات الإيجار كان يتراوح بين 400 و600 ألف ليرة لبنانية قبل الأزمة الاقتصادية الحالية. مؤخّراً، بدأت بدلات الإيجار ترتفع لتتراوح بين 600 ألف ومليون ليرة لبنانية أو حتّى أكثر، وفقاً لأهواء المؤجّرين وتماشياّ مع السوق العقارية. وبالتالي، أثّر ارتفاع كلفة الإيجار على قدرة المستأجرين على تحمّل تكاليف السكن. نذكر هنا حالة رامي (إسم مستعار) وهو لبنانيّ يستأجر دكّاناً - أي وحدة غير مخصّصة للسكن - في المساكن الشعبية منذ أقلّ من سنتين، ويسكن فيه مع زوجتيه وطفليه. كان رامي يعمل نجّاراً، لكنه فقد عمله منذ 4 أشهرٍ تقريباً، وهو اليوم يعتمد على مساعدات أقاربه والجمعيات ليؤمّن قيمة بدل الإيجار وتكاليف تأمين الطعام لعائلته. بحسب الاتفاق الأصلي مع صاحبة الدكّان - ولا نقول المالكة لأن الملكية للدولة - كان على رامي دفع بدل إيجار شهريّ بقيمة 400 ألف ليرة لبنانية، لكن صاحبة الدكّان رفعت القيمة إلى الضعف[54]. وعليه، يرغب رامي بالانتقال من الدكّان[55]، لكنّه، بالرغم من محاولاته المستمرة، لا يجد مسكناً بمواصفاتٍ أفضل وبإيجارٍ أقلّ كلفة. نلفت النظر هنا إلى أن معظم المستأجرين في المساكن الشعبية دخلوا المأجور بموجب اتفاقيات شفهية، بخاصّة السوريّين، لكن على الرغم من قانونية العقد الشفهي، يجدون أنفسهم في موقعِ ضُعف[56]، ويتمّ استغلالهم عبر رفع بدلات الإيجار بصورة متكرّرة، أو إخلائهم بشكلٍ تعسفيٍّ لاستبدالهم بمن يدفع أكثر، أو لبيع المسكن[57]، وليس ذلك سوى طمع من قبل المؤجّرين و"أصحاب" المساكن لتحقيق أرباح إضافية.

تشكّل المساكن الشعبية، وفي ظلّ غياب الدولة عن دورها في إدارة المشاريع السكنية العامّة، مثالاً عن كيفيّة ترسيخ النظرة إلى السكن بوصفه سلعة متاحة للمقتدرين وأصلاً من الأصول المالية. لا شكّ أن السوق في لبنان، منذ عقود، هي المنظّم الأول الذي يحدّد أسعار المساكن والأراضي ومواقعها، وتوفّرها، إلى جانب أسعار الإيجارات. ونشهد اليوم دخول المشاريع السكنية العامّة في لعبة السوق والمضاربات، وخسارة جزء من وظيفتها الاجتماعية القائمة على تأمين السكن الميسّر للفئات الأكثر هشاشة وحاجة من المستأجرين.

ممرّ بين أبنية المشروع، وتظهر الإضافات على الوحدات السكنية واختفاء الحدائق الأمامية (المساكن الشعبية، الميناء، تمّوز2022).

 

خريطة أحد الأبنية في مشروع المساكن الشعبية، وتُظهر نموذج لشقّتين: واحدة بـ 5 غرف، والأخرى بغرفتين (المصدر: أرشيف وزارة التصميم العام).

 

6. السكان في ظروف سكنية غير ملائمة

لا يكون السكن لائقاً وصالحاً إذا افتقر قاطنوه إلى مياه الشرب الآمنة، أو الصرف الصحي الملائم، أو الطاقة للطهي أو التدفئة أو الإنارة، أو وسائل تخزين الأغذية، أو أساليب التخلّص من النفايات. تُظهر بيانات الاستمارات المعبّأة للحالات الـ35، ضمن مشاريع الدولة السكنية الأربع موضوع البحث، أن حوالي 80٪ من السكّان في العيّنة يعانون من صعوبات في الوصول إلى التغذية الكهربائية، وهو وضع لا يختلف كثيراً عمّا يجري في سياقات محليّة خارج هذه المشاريع، إنّما اللافت أن 57.14٪ من هؤلاء أعربوا أن التغذية الكهربائية[58] التي تصلهم لا تكفيهم للطهي والتدفئة والإنارة، وأن 28.6٪ لا يملكون وسائل للتدفئة أصلاً، وهي نسب تفوق النسب الموثّقة في تقارير مرصد السكن السابقة لحالات خارج مشاريع الدولة السكنية[59]. أما في ما يخصّ الوصول إلى المياه، فنسبة 28.6٪ من الحالات في العيّنة تبقى دون مصدر مياه لفترات طويلة، و14.3٪ هي غير مشبوكة بشبكة مياه الدولة من الأساس، وهذه النسب تفوق ضعف تلك الموثّقة في تقارير المرصد حتى اليوم[60].

ولا يكون السكن لائقاً وصالحاً إن لم يوفّر لشاغليه المساحة الكافية، ولم يضمن سلامتهم الجسدية، وحمايتهم من المخاطر الهيكلية، ومن البرد والرطوبة والحر والمطر والريح وغيرها ممّا يهدّد الصحة. في هذا السياق، تبيّن البيانات أن جميع الحالات في العيّنة تُنتهك فيها صلاحية السكن. 45.71٪ من الحالات هي لسكّانٍ أعربوا عن مخاوف بشأن وجود مخاطر هيكلية في المباني التي يسكنونها[61]، وهي نسبة تفوق بشكلٍ كبيرٍ نسبة الحالات المماثلة المُبلِّغة إلى مرصد السكن حتى اليوم، من خارج المشاريع العامّة السكنية، ومن مختلف المناطق اللبنانية[62]. كما تبيّن، في 97.14٪ من الحالات، أن الأقسام المشتركة غير سليمة[63]، وهي نسبة تُشكّل أيضاً أكثر من أربع أضعاف النسب الموثّّقة في تقارير المرصد السابقة[64]. على صعيد الوحدات السكنية، من اللافت أن حوالي 40٪ من الحالات هي لوحداتٍ سكنيةٍ تعاني من تهوئة سيئة ولا يدخلها نور الشمس، بالمقارنة مع 9٪ فقط في تقارير المرصد، و94.3٪ هي لوحداتٍ سكنيةٍ تعاني من النشّ، بالمقارنة مع نسبة لا تتعدّى نصف ذلك في التقارير، ممّا يُشير إلى أن انتهاك صلاحية السكن في مشاريع الدولة السكنية\الأحياء غير الرسمية أوسع ممّا هو عليه خارجها. بالإضافة إلى ذلك، تبيّن أن 28.6٪ من الوحدات السكنية في العيّنة مُكتظّة، وتقع أربع منها في منطقة المنكوبين التي تستأثر أيضاً بنسبٍ مرتفعةٍ في ما يخصّ مؤشّرات صلاحيات السكن الأخرى كالنشّ في الوحدات (87.5٪)، والأقسام المشتركة غير السليمة (87.5٪) وغيرها، كما لا يصل إليها خطّ تغذية شبكة مياه الدولة، ممّا يجبر السكان على الاعتماد على تعبئة المياه دورياً، و/أو قطع مسافات طويلة لجلبها. من هذا المنطلق، سوف نركّز في هذا القسم على منطقة المنكوبين لفهم تاريخ الوصول للسكن وكيفية انتهاك صلاحية السكن فيها، وتأثير انعدام الخدمات اللائقة على سكّانها.

 

 

تقع المنطقة التي تُعرف اليوم بـ" منطقة المنكوبين" في ضواحي مدينة طرابلس[65]، على مقربة من منشآت النفط في المدينة، ومخيّم البداوي للاجئين الفلسطينيين. أيام الانتداب الفرنسي، تحديداً عام 1931، أُعطي لشركة نفط العراق (IPC)[66] امتياز نقل النفط الخام من العراق إلى طرابلس عبر سوريا لتصفيته وتصديره[67]. حينها، بنى الفرنسيون على أراضٍ تملكها الدولة في المنطقة مبانٍ سكنية لإسكان موظّفي الشركة ومهندسيها[68]. عام 1955، فاض نهر أبو علي، وهُجّرت مئات العائلات الطرابلسية من محيطه. وعلى إثره، أقامت المصلحة الوطنية للتعمير، مؤقّتاً، حوالي 14 بركساً من التنك في المنطقة (يحوي كلّ منها 5 مساكن) على أراضٍ استملكتها، ريثما تُعيد إسكان المهجّرين الناجين أو تعوّضهم. من حينه، التصق اسم "المنكوبين" بالمنطقة. وعندما لم تكفِ البركسات لإيواء كافّة منكوبي الفيضان[69]، لجأ بعضهم للسكن في المباني الفرنسية بطريقة غير رسمية.

لاحقاً، بنت المصلحة الوطنية للتعمير مشروعاً سكنياً تحت إسم "مدينة طرابلس الجديدة لمنكوبي فيضان نهر أبو علي"، على أراضي الدولة في المنطقة، بهدف نقل سكان مساكن التنك إليها. لكن، بسبب ثورة 1958[70]، وما تبعها من أحداثٍ أمنيةٍ ومعاركَ في طرابلس ومحيطها، لم تفتح المصلحة إمكانية التقديم للسكن في المشروع، فسكنه الأهالي بطريقةٍ غير رسميةٍ أيضاً.

 

 

حتى اليوم، لا تزال بعض العائلات المتضرّرة من الفيضان تعيش في المنكوبين، فيما غادرت العائلات الأيسر حالاً المكان، وفضّلت السكن في أحياء المدينة الأخرى (أبو سمرا، باب الرمل، إلخ.). وعلى مدى السنوات الخمسين الماضية، شكّلت المنكوبين منطقة استقطاب للسكّان النازحين من الريف، تحديداً لأولئك القادمين من مناطق الضنّية وعكّار، كما استقبلت مؤخراً عدداً كبيراً من العائلات السورية.

تتكوّن منطقة المنكوبين من ثلاث مناطق مختلفة من ناحية ملكية الأرض فيها وتاريخ تشكّلها (أنظر/ي إلى الخريطة)، لكنّها متشابهة من ناحية تدهور البيئة المبنية فيها. فخلال فصل الشتاء، تتحوّل الطرقات غير المعبّدة إلى بركٍ موحلةٍ وتشهد الأحياء فيضان مياه الصرف الصحّي الآسنة وانسداد قساطل الشبكة بشكلٍ متكرّرٍ، ممّا يجعلها تتسرّب أحياناً إلى الوحدات السكنية. أمّا بالنسبة لأعمدة الكهرباء الموزّعة في المنطقة، فهي تشكّل خطراً على السكان. في هذا الإطار، يذكر أبو محمود (إسم مستعار) أن بعض سكّان المنكوبين غير قادرين على دفع تكلفة الكهرباء، فيلجأ بعضهم إلى مشاركة العدّاد مع الجيران عبر مدّ أسلاك، ويتمّ تقسيم التكلفة في ما بينهم.

على صعيد الوحدات السكنية، يمكن القول، بطبيعة الحال، أن وضع الوحدات في منطقة "العمار" أفضل من تلك الموجودة في منطقة "الإترنيت". فبعض بَراكسات التنك تمّ توسيعها وإضافة طوابق عليها دون أعمدة أو أساسات، وهو ما يشكّل خطراً جسدياً مباشراً على سكّانها في حال حدوث أي عاصفة أو هزّة. أمّا استمرار وجود أسقف الإترنيت والتنك، فقد أدّى إلى أمراض صدرية وضيق في التنفّس لدى السكان. لا تنحصر الأوضاع غير الصحيّة في الوحدات السكنية بوجود الإترنيت بل تتمثّل أيضاً باكتظاظ الوحدات. فمن بين المقابلات الثماني التي أُجريت في المنكوبين، تم توثيق 4 حالات لسكّان يسكنون في وحدات مكتظّة، من بينهم نزار (إسم مستعار) الذي يعيش مع زوجته وأولاده الـ4 في شقة من غرفة واحدة ومطبخ وحمّام. تملأ الشقة الرطوبة والنشّ، ولا يدخلها نور الشمس، وتكاد تنعدم فيها التهوئة لولا وجود شباك واحد صغير في زاوية الغرفة. البقاء داخل الوحدة خلال النهار غير ممكن، ولذلك تلجأ العائلة إلى فتح باب الشقة بشكلٍ دائمٍ، فتجلس زوجة نزار المريضة مقابل الباب وتراقب أولادها وهم مستلقين أو يلعبون على عتبة المدخل.

تجدر الإشارة إلى أن المنكوبين ليس المشروع السكني العام الوحيد الذي تُنتهك فيه صلاحية السكن ولا تتوافر فيه الخدمات بشكلٍ لائقٍ، بل ينطبق ذلك أيضاً على مشروع التعمير في صيدا، وعلى مشروع إعادة إسكان قاطني وشاغلي خان العسكر، وإن بأشكالٍ مختلفة. إذ أدّى، على سبيل المثال، قُرب مشروع التعمير من مخيّم عين الحلوة الفلسطيني، إلى فرض الجيش اللبناني إغلاق الشرفات والشبابيك بأحجار الخفّان أو الحديد في بعض مباني التعمير المتاخمة للمخيّم[71]، لتتحوّل الوحدات السكنية فيها إلى زنزانات لا يدخلها نور الشمس والهواء، كشقّة ناهدة (إسم مستعار) التي بقيت تبكي لأسابيع كلّما أتى الجيش إليها للتنفيذ.

عند إلقاء نظرة على الملفّات المُرفقة بالدراسات التي أجرتها الدولة اللبنانية ومستشاروها لإنشاء مشاريع سكنية، نقرأ في الأسباب الموجبة أهمية استبدال مساكن غير صحية قائمة بأخرى صالحة للسكن[72]، والحاجة إلى نقل أولئك المتضرّرين من الكوارث وذوي الدخل المحدود، لتحسين أوضاعهم السكنية. ممّا يعني بأن صلاحية المسكن وتوافر الخدمات الملائمة فيه كانت في صلب أولويّات القيّمين على هذه الدراسات، إلّا أنّها شكّلت جزءاً من مقاربة إشكالية للدولة تمثّلت باعتبار الأحياء غير الرسمية "مشكلة"، وأنه يجب الحدّ منها وإزالتها وإخلاء سكّانها، بدل تأهيلها وتحسين أوضاع مبانيها والقاطنين فيها، في انتهاكٍ واضحٍ لحقّ هؤلاء في المدينة والسكن على حدّ سواء. والأكثر إشكالية هو أن تكون الظروف الإنشائية والسكنية المتردية التي يُجبَر سكّان هذه المشاريع - وهم من الفئات الأكثر تهميشاً، خاصّةً مع اشتداد الأزمة الاقتصادية - على القبول بها تماشياً مع قدراتهم المادية، ناجمة عن إهمال الدولة، لا بل أن يتمّ لومهم عليها. فخيارهم بالبقاء هو في الحقيقة غياب الخيار: بين التشرّد والخروج من المنازل نحو المجهول، يختار الناس سقفاً يحميهم، حتى ولو لحين.

أحد المباني السكنية التي ب نتها المصلحة الوطنية للتعمير ضمن مشروع "مدينة طرابلس الجديدة لمنكوبي فيضان نهر أبو علي"(الصورة من منطقة العمار، المنكوبين، تمّوز 2022).

 

وحدات سكنية بأسقفٍ من تنك وأوضاعٍ سكنيةٍ سيئة (الصورة من منطقة الإترنيت، المنكوبين، تمّوز 2022).

 

٧. كيف ندافع عن الحق بالسكن عندما يكون وضع الحيازة غير مقبول قانونياً؟

يشير هذا التقرير إلى أن غياب الأُطر الرسمية التي تضمن استيعاب المدن لسكّانها، يشكّل سياقاً يُنتج فيه هؤلاء سُبلهم غير الرسمية لتثبيت وجودهم فيها، مما يشكّل الدافع الأبرز لنشوء المناطق غير الرسمية في لبنان ودول أخرى. بالتالي، توفّر هذه المناطق تمدُّناً ديناميكياً يستجيب لاحتياجات الفئات المهمشة في مدن متنوعة، وهو ما نراه كنضال سياسي، سواء أكان عبارةً عن أعمالٍ سياسية منظّمة أو مبادرات صنع سبلٍ صامتة للوصول إلى المدينة. وهو نضال متجذّر في الحق في الحياة المدينية، وفي استكمال بناء المدينة عبر سكنها وعيشها واستخدامها من قبل جميع سكانها.

أمّا في سياق مشاريع الدولة السكنية التي خطّطتها الدولة وبنتها، والتي هي موضوع هذا التقرير، بدا واضحاً أنّ الدولة لم تُنتج مخزوناً يستجيب لحاجات الفئات الأكثر تهميشاً ولم تضمن استدامة السكن فيها. فما لبثت أن تحوّلت هذه المشاريع الرسميّة إلى حيّز إضافي للسكن غير الرسمي. وقد استحوذت العائلات من ذوي الدخل المحدود على هذه المساكن في مدينتي صيدا وطرابلس - كما تشير المقابلات - لأنها اعتبرت لها أحقيّة فيها، كونها مشاريع عامة.

وقد أدّى هذا التداخل ما بين العمليات الرسمية وتلك غير الرسمية هذا إلى ظهور ترتيبات حيازة معقّدة. فهناك البعض من أصحاب الحقوق من المالكين اللواتي والذين لم تكتمل المعاملات الرسمية لتملّكهم شقق، فسكنوا فيها دون صكّ الملكية، كسكّان التعمير في صيدا الساكنين بموجب عقود بيع مؤقتة، أو المالكين منهم الذين لم يحصلوا حتى على مستند يثبت حقّهم.

كما أن البعض الآخر من أصحاب الحقوق من المستأجرين لم تُجدَّد عقود إيجاراتهم عند حلولها، أو تأخّروا عن دفع بدلات الإيجار أو أخلّوا بشروط عقد الإيجار ورفضوا ترك الشقق، كما هو الحال في خان العسكر في طرابلس.

في المقابل، قرّر بعض سكّان المشاريع تأجير مساكنهم، ما أدّى إلى خلق فئة من المستأجرين الثانيين، يستمدون حقوقهم من سكّان المشاريع المؤجّرين وليس من الدولة المالكة للمشروع. كما وأنّ أشخاص آخرون استحوذوا على شقق خالية في المشروع واستقرّوا فيها دون أن يكونوا من الفئات المذكورة من أصحاب الحقوق. وهذا ما حصل تقريباً في جميع المشاريع السكنية للدولة. فكيف ندافع عن الحق في السكن لكل هذه الفئات؟

في حين تتعامل الجهات المعنية مع سكّان المشاريع وكأنهم معتدون على أراضيها دون حق، يشدّد القانون الدولي على مسؤولية الدول باتخاذ تدابير فورية وتدريجيّة لتوفير أمن الحيازة قانوناً لمـن يفتقرون إليه من الأفراد والجماعات المحلية[73]. وتزداد هذه المسؤوليّة عندما نأخذ بعين الإعتبار أنّ إهمال الدولة لإدارة بعض مشاريعها السكنية، وغياب المتابعة في إجراءات نقل الحيازة اللازمة من جهة أخرى، وغياب الخيارات الميسرة لسكن الأكثر عوزاً، هو ما أدّى إلى ترك سكان هذه المشاريع في حالة من انعدام أمن الحيازة القانوني، وخلق أشكالٍ جديدة من ترتيبات السكن لا يلحظها القانون المحلي.

فرغم شمول القانون الدولي في تعريفه لمفهوم الحيازة جميع أنواع الترتيبات السكنية، ومن ضمنها السكن غير الرسمي، وتأكيده على التزام الدول استخدام الحد الأقصى من الموارد المتاحة لضمان عيش الأفراد في منازلهم بأمان وسلام وكرامة[74]، تعتمد السلطات اللبنانية تفسيراً ضيّقاً لمفهوم الحيازة عادةً ما يؤدّي إلى استبعاد السكان وتقويض الوضع الحيازي لفئات واسعة من سكان المناطق الحضرية وضواحيها، لا سيما أفقرهم. وهو ما يُخصّص الحماية القانونية لحائزي سندات الملكية، ويحدّ من دعم ترتيبات سكنية أخرى، وهو أمر تبلور - على سبيل المثال - في قرار المؤسسة العامّة للإسكان لمشروع التعمير صيدا، الذي يقضي بتسوية أوضاع المالكين ذوي براهين الملكية، دون البحث في حلول جديّة لباقي السكّان من مستأجرين وغيرهم من القاطنين في المشروع، كما في النهج المتّبع من قبل بلدية طرابلس فيما يخص سكّان خان العسكر، حيث قررت البلدية إخلاء المستأجرين المتخلّفين عن الدفع، بدلاً من أن تبحث في سبل تحسين ظروف معيشتهم.

في هذا السياق نعيد ونذكّر بأنّ القانون الدولي ينظر للأراضي العامة كموردٍ أساسيٍ متاح للدولة من أجل إعمال الحق في السكن اللائق. بحيث ألزم الدول، ما لم توجد ظروف استثنائية، بأن تـؤمّن بموجب القانون وفي الموقـع الأصلي، ترتيبات الحيازة للأسر والجماعات المحلية القاطنة على أراضـي الدولـة، في غياب خيارات أخرى للسكن اللائق[75]، وذلك باتخاذ تدابير تشريعية وبرنامجية من أجل تأمين أشكال الحيازة المتنوعة، مـع إيلاء الأولوية لوضع ترتيبات لصالح الأشخاص الذين يواجهون حواجز تعيق الإعمال الكامل لحقوقهم السكنية.

 

كما أوصى القانون الدولي بوجوب ضمان الحق في عدم التمييز على أساس الوضع الحيازي وحمايته في القوانين والسياسات العامة والممارسة العملية، بحيث يجب أن يسري هذا الضمان على جميع أشكال الحيازة[76]. وبالتالي، يجب أن تعتمد الدول تدابير مدروسة ومحدّدة من أجل مكافحة التمييز ضد الأفراد والجماعات في التمتع بحقوقهم السكنية بغض النظر عن سواء أكانت ترتيبات الحيازة الخاصة بهم معترفاً بها بموجب القانون أم لا، وسواء توفّرت بحوزتهم مستندات تثبت وضع الحيازة أم لا.

لذا، في ظل إصرار الدولة على تجاهل التزاماتها الدولية بتأمين الحق بالسكن الميسّر وإحقاقه[77]، وعدم اعتراف الإطار التشريعي المحلّي بشريحة واسعة من ترتيبات الحيازة، يعود لسكان المساكن الشعبية مهمّة توطيد أمنهم الحيازي بأنفسهم، ومساءلة السلطات المعنية عن مسؤولياتها تجاههم بما تقتضيه مبادئ القانون الدولي. وهي مسؤولية إضافية، تحمّلها الدولة لسكان أحياء وجماعات محلية مهمّشة أساساً، وتعاني من عبء تأمين احتياجاتها الأساسية أصلاً، ممّا يزيد من صعوبة حياتها والتحديات التي تواجهها.

من هنا تبرز ضرورة العمل على تشكيل أطر تنظيمية للسكان كلجان مباني أو أحياء، والاجتماع بشكل دوري لمناقشة أوضاعهم وتحديد مطالبهم، حيث يمكن انتداب ممثلين عنهم لتقديمها إلى السلطات المحليّة والعامة. من المهم، وأثناء تشكيل هذه الأطر، عدم التمييز بين أصحاب الحقوق على أساس الجنسية أو نوع الترتيبات السكنية أو كيفية وصولهم إلى مساكنهم، واعتبار كل السكّان ذوو حقوق في الأرض والسكن.

كذلك من الضروري العمل على توثيق كل فرد لما يثبت ترتيباته السكنية ومدّة سكنه بما يمكن جمعه من الأدلة الشفوية والخطيّة، كالاحتفاظ بعقود البيع، وطلب إيصالات بدفع الإيجار وفواتير الخدمات، بالإضافة إلى شهادات الجيران التي يمكن تسجيلها كتابةً… كل ذلك بهدف ترسيخ وجود العلاقة بين السكان والأرض، والدفع نحو تثبيت الحق القانوني لواضعي اليد.

وعلى جهات الفاعلة في مجال الحق في السكن، كالمنظمات غير الحكومية ومبادرات المجتمع المدني والنقابات والتعاونيات[78]، أن تلعب دوراً داعماً للسكّان في المطالبة بحقوقهم. في هذا الصدد، نعتبر الأمور التالية خطوات أساسية نأمل أن تعمل الجهات الفاعلة في الدفاع عن الحق في السكن أثناء مواكبتها لتحرّكات السكان، على الدفع باتجاهها:

  • ضمان مشاركة السكان في وضع الخطط واتخاذ القرارات فيما يخص تسوية أوضاعهم وإعادة تأهيل المساكن. على عكس ما يحصل حالياً في مشروع التعمير صيدا، حيث وضعت المؤسسة العامة للإسكان خطة استناداً لما كان بحوزة المصلحة الوطنية للتعمير من المستندات، دون تكبّد عناء زيارة المشروع أو استشارة سكّانه.

  • طلب الاطلاع على كل الخرائط، والبيانات، والإحصاءات الخاصة بالمساكن بحوزة الهيئات المعنية، للتدقيق فيها.

  • إجراء تقييمات على نطاق المشاريع السكنية لمختلف ترتيبات الحيازة، على أن تكون هذه التقييمات عامة ويسهل الوصول إليها، وأن يتم مشاركتها مع سكان المشاريع لمناقشتها وإبداء رأيهم فيها.

  • وضع استراتيجية لتأمين الحيازة وتثبيتها لمن يفتقدها من السكّان، مع وضع آلية لحل النزاعات المرتبطة بالأراضي. في حال تعذَر إيجاد حلول موضعية، يجب العمل على تأمين المساكن البديلة للسكان المتضررين بما يتوافق مع معايير حقوق الإنسان والقانون الدولي.

أما فيما يخص مقاربة السياسات الوطنية للمناطق غير الرسمية، فلا بدّ من اعتراف الدولة بوجودها وبعلاقتها المتأصّلة بالمكان، والعمل على تحسينها (بنى تحتية، خدمات، تأمين شروط السلامة العامة والسكن الآمن والمريح والصحي، إلخ.) وترسيخ الحقوق فيها، وذلك من أجل الاعتراف بترتيبات الحيازة المتعددة واحترامها وحمايتها، لا سيما في مشاريع الدولة السكنية والأراضي المخصصة لها، وهي ما تمّ تعيينه كمنشآت لخدمة الفئات الأكثر تهميشاً.

فمن خلال العمل على تشريعات جديدة، أو فتح النقاش انطلاقاً من بنود قانونية قائمة تعترف بالحق بالأرض على أساس الاستخدام وليس الملكية فقط، نساهم في إرساء تصوّر أوسع لمفهوم الحيازة، يشمل الوضع الحيازي المتنوّع والغني والمتبدّل لشرائح واسعة من سكان المناطق الحضرية وضواحيها، لا سيما أفقرهم.

فعلى نسق المادة 257 من قانون الملكية العقارية التي تعترف بالحيازة الهادئة -أي وضع اليد على شيء والانتفاع به بشكل مستمر دون عنف أو إكراه مادي أو معنوي- كمدخل لحيازة الأراضي غير الممسوحة، ألا يمكن تخيّل إطاراً تشريعياً يمنح حقاً مكتسباً للسكّان بعد وضع اليد الهادئ والعلني على الأراضي الشاغرة، لا سيّما تلك المخصصة للسكن؟


1- Don Mitchell, The Right to the City Social Justice and the Fight for Public Space, The Guilford Press, 2003, page 18.

2-  UN-Habitat. The challenge of slums: global report on human settlements 2003. Chapter 1: development context and the millennium agenda. revised and updated version, 2010. https://mirror.unhabitat.org/downloads/docs/GRHS_2003_Chapter_01_Revised...

3- فصنّفتها بين مناطق فيها وضع يد على أملاك الغير - وقد تكون أملاكاً خاصة أو عامة، ومناطق لم يحترم فيها البناء قوانين التنظيم المدني وقواعد استعمالات الأراضي، ومناطق جرى فيها البناء دون ترخيص و/ أو دون احترام قانون البناء ونسب الاستثمار، ومناطق فيها استخدامات غير رسمية لمبانٍ قائمة مُنتجة بشكل قانوني.

4- تعريف الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء: "‏المناطق التى أقيمت بالجهود الذاتية سواء على أراضى حائزيها أو على أراضى الدولة بدون تراخيص رسمية ولذا فهى تفتقر إلى الخدمات والمرافق الأساسية التى قد تمتنع عن توفيرها الجهات الرسمية نظراً لعدم قانونية هذه الوحدات".

5- Bourgey, A & Pharès, J. 1973. ‘Les bidonvilles de l’agglomération de Beyrouth’ Revue de Géographie de Lyon vol 48, France.

6- UN-Habitat 2001 estimates. Retrieved from https://mirror.unhabitat.org/categories.asp?catid=208

7- Deboulet, A. 2012. ‘Secure land tenure? Stakes and contradictions of land titling and upgrading policies in the global middle east and Egypt’, In “Popular Housing and Urban Land Tenure in the Middle East”. AUC Press, Egypt.

8- سبع أعين، مايا. 2021. ’عن غياب سياسات الدولة الإسكانية: قوانين متفرّقة وتدابير مؤقّتة‘. مجلّة استديو أشغال عامّة. 3 آب 2021. https://publicworksstudio.com/ar/articles/عن-غياب-سياسات-الدولة-الإسكانيّة-قوانين-متفرّقة-وتدابير-مؤقّتة

9- أبرزها هذا التقرير الأكثر شمولية حول الأحياء غير الرسمية في بيروت: Mona Fawaz and Isabelle Peille, The Case of Beirut, Lebanon, Understanding Slums: Case Studies for the Global Report 2003, UN-habitat, DPU UCL.

10- لم يتمّ اعتماد معايير محدّدة لاختيار الأفراد الذين تمّت مقابلتهم، بل حاولنا أن تشمل العيّنة، بقدر المستطاع، أفراداً منوّعين من السكان الحاليين لهذه المشاريع، على أن يكون من بينهم ذكوراً وإناثاً، لبنانيين وغير لبنانيين، أصحاب حقوق ومستأجرين ومقتحمين / محتلّين لمساكن في مشاريع الدولة السكنية محور البحث.

11- تمّت إعادة تعريفها وتكييفها بما يتلاءم مع السياق الاجتماعي والثقافي المحلّي، ومع أشكال الانتهاكات الشائعة والممارسات التي تحكم قطاع الإسكان في لبنان. ومن أبرز مؤشّرات القياس التي تمّ الإعتماد عليها: أمن الحيازة؛ القدرة على تحمّل التكاليف؛ الصلاحية للسكن؛ توافر الخدمات والتجهيزات والمرافق والبنى التحتية؛ تيسير تلبية الاحتياجات؛ الموقع؛ الملائمة من الناحية الثقافية والاجتماعية.

12- علاء الدين، ريان. 2022. ’الأراضي المخصّصة للسكن: كان للدولة مشاريعَ سكنية‘. مجلّة أشغال عامّة. 4 أيّار 2022. https://publicworksstudio.com/ar/articles/الأراضي-المخصّصة-للسكن-كان-للدولة-مشاريعَ-سكنية

13- قانون إنشاء المصلحة الوطنية للتعمير: http://www.legallaw.ul.edu.lb/LawView.aspx?opt=view&LawID=169740

14- صدر قانون تسهيل إسكان المعوزين وذوي الدخل الوضيع والدخل المحدود سنة 1962، وتوالت الدراسات والتقارير حول إنشاء مساكن شعبية. في شباط من العام 1967، صدر تقرير أوليّ ذكر أن 4 مناطق اختيرت لبناء مساكن شعبية وهي: المكلّس، الحدث، طرابلس، وصور. في العامين 1970 و1972، وضع برنامج لبناء مساكن شعبية في عدد من الأقضية اللبنانية من بينها بيروت، وطرابلس، والنبطية ،وزحلة، وبعلبك، وعكار، وجبيل…

15- ويُسمّى أيضاً "مشروع الحريري". هو مشروع إسكان شعبي (٦٥ مبنى)، أُنشئ في عام ٢٠٠٥ من قبل الصندوق المركزي للمهجرين بهدف إسكان مهجّري الحرب الأهلية.

16- للاطّلاع على الكتاب الذي قدّمه استديو أشغال عامّة إلى محافظ بيروت لحثّه على وضع آلية لتسجيل عقود الإيجار الشفهية أمام البلدية: https://housingmonitor.org/content/تسجيل-عقود-الإيجار-الشفهية-أمام-بلدية-بيروت-كتاب-قدّمه-استوديو-أشغال-عامة-الى-المحافظ

17-  مهندسين من وزارة الأشغال، والجامعة الأمريكية في بيروت، وشركة "كات للهندسة والمقاولات".

18-   قامت الدراسة التخطيطية لإيكوشار وفريقه على فكرة "تحديث" مدينة صيدا عبر إنشاء مركز حضري جديد لها في منطقة عين الحلوة - مركزاً نموذجياً  باسم "صيدا الجديدة" - لاستيعاب نموّها المستقبلي، ولإسكان المتضرّرين من الزلزال. الجدير بالذكر أن خرائط إيكوشار التي تمّ آنذاك إنتاجها في باريس لا تُظهر وجود المخيّم الفلسطيني في المنطقة، بالرغم من أن المخيّم كان عمره 8 أعوام، ويمتدّ على مساحة 37 هكتاراً. (المصدر: مقال بالإنجليزية لمروان غندور بعنوان ?Who is 'Ain Al-Hilweh - نُشر في جدليّة في 30 أيلول 2013).

19-  الجدير بالذكر أن بلدية صيدا مارست ضغوطاً على المصلحة لتوسيع المشروع حتى يشمل، إلى جانب المتضرّرين من الزلزال، كافّة سكان صيدا الراغبين بتحسين أوضاعهم السكنية

20-   تمّ تصميم نموذجين للأبنية: النموذج الاوّل من 4 طوابق مؤلّف من قسمين لكلّ منهما درج يصل إلى شقّتين، وبالتالي يحتوي كلّ طابق على مجموع 4 شقق،  والمبنى بأكمله على 16 شقّة. أمّا النموذج الثاني فهو يتالّف من 4 طوابق وفي كل طابق ممرّ خارجي يمكن الولوج منه إلى 8 شقق، وبالتالي يحتوي المبنى على مجموع 32 شقّة.

21- ولاحقاً مجلس الإسكان بعد إلغائها.

22- تمّ توقيع عقود بيع مؤقّتة بين رئيس لجنة تمليك عقارات مصلحة التعمير في الجنوب كفريقٍ أول بائع، والمهتمّين بشراء المسكن كفريق ثانٍ، على أن تُنقل ملكية المسكن إلى إسم الفريق الثاني، أي الشاري، بعد تسديد كامل الأقساط، وبعد أن يقوم الفريق الأول، أي المصلحة الوطنية للتعمير، بإجراء عمليات الفرز والضمّ وسواها على نفقته (تطبيقاً لأحكام المادة الثامنة من القانون الصادر بالمرسوم رقم ١١٦٩٣ تاريخ ١٩٦٢/١٢/٣١).

23-  إستناداً إلى مخطّط المهندس الفرنسي إيكوشار في العام ١٩٥٦.

24- جرى التوسيع وبُنيت الإضافات ابتداءً من أواسط السبعينات بشكلٍ أساسيّ وصولاً إلى العام 2005، حين منعت السلطات اللبنانية دخول مواد البناء إلى مخيّم عين الحلوة ومحيطه أي مشروع التعمير. سُمح بإدخال المواد بشكلٍ مُقنّن لاحقاً بشرط الحصول على تصاريح من وزارة الدفاع اللبنانية والجيش. (لتفاصيل إضافية حول عسكرة المخيّمات الفلسطينية، مراجعة الجداول الزمنية التي أنتجها استديو أشغال عامّة ضمن مقال ’عن واقع المخيّمات الفلسطينية في لبنان: فصولٌ من الإقصاء والعزل‘).

25- تحديداً حزب التنظيم الشعبيّ الناصريّ ومؤسّسه معروف سعد.

26- مقال تحت عنوان« الأراضي المخصّصة للسكن: كان للدولة مشاريعَ سكنية » في إطار مشروع بحثي بعنوان «ويني (أراضي) الدولة؟» أجراه استديو أشغال عامة.

27- بعد إلغاء المصلحة الوطنية للتعمير، والمؤسّسات الإسكانية الأخرى، انتقلت مهامها وعقاراتها إلى المؤسسّة العامّة للإسكان، وأصبح مشروع التعمير تحت إدارتها.

28- قانون رقم 33/2017 قدّمته النائب بهية الحريري.

29- القانون يضيف فقرة إلى المادة ٦١ من القانون رقم ٥٨٣/ ٢٠٠٤ الرامي إلى إمكانية إفراز عقارات التعمير، ما يتيح تمليكها بعد تسوية أوضاعها. بعد إصداره، تمّ تلزيم شركة سبكتروم للاستشارات الهندسية للقيام بأعمال تحديث لدراسة كانت معدّة سابقاً، واستكمال مسح وكيل وضمّ وفرز عقارات المصلحة الوطنية للتعمير الملغاة في مناطق الدكرمان وصيدا القديمة والمية ومية العقارية.

30-  أي لا يرتبط بها أي عقد مؤقّت باسم أي أحد.

31-  بحسب مقابلة أجراها إستديو أشغال عامة مع روني لحود، مدير عام المؤسسة العامة للإسكان، في ٣١ آذار ٢٠٢٢.

32- غير أن المدير العام للمؤسسة العامة للإسكان يستبعد إمكانية الإخلاء. 

33- بعد نشوء مخيّم عين الحلوة بفترة قصيرة، رأى المسؤولون والمخطّطون المكلّفون بالدراسات أن المناطق المحيطة بالمخيّم مناطق استراتيجية يمكنها استيعاب نموّ مدينة صيدا المستقبليّ. المنطقة التي تُعرف اليوم بـ"منطقة عين الحلوة" أطلق عليها حينها اسم "صيدا الجديدة"، وخُطّطت بحيث يتمّ فيها بناء، ليس فقط مشروع إسكان التعمير، بل مستشفًى حكومياً ضخماً، ومدرسة، ومراكز خدماتية حديثة أخرى. (المصدر: مقال بالإنجليزية لمروان غندور بعنوان ?Who is 'Ain Al-Hilweh - نُشر في جدليّة في 30 أيلول 2013).

34- المصدر: روبرت فورستر، باحث دكتوراه في Chr. Michelsen institute النرويجية. يركّز بحثه على تاريخ النزوح الداخلي في مدينة طرابلس.

35-  أظهرت نتائج مسح أُجري عام 1952 أن 540 فلسطينياً يسكنون في الخان. في مرحلة لاحقة، تمّ نقل عدد من هؤلاء إلى بيوت تمّ بناؤها لهم في مخيّم البداوي في ضواحي طرابلس، ومخيّم نهر البارد.

36- العقارات رقم 54 و-566 في منطقة التبانة العقارية.

37- هو تعبير تمّ اعتماده في نُسخ الخطّة.

38- ضغط البنك الدولي على بلدية طرابلس - برئاسة رشيد الجمالي -  لإنهاء المشروع، جعل البلدية تضغط على السكان لقبول الصفقة والمغادرة. (المصدر: روبرت فورستر، باحث دكتوراه في Chr. Michelsen institute النرويجية. يركّز بحثه على تاريخ النزوح الداخلي في مدينة طرابلس).

39- نُفّذت العملية بالتعاون بين بلدية طرابلس، ووحدة المساعدة الفنية في طرابلس، ووحدة إدارة المشاريع في مجلس الإنماء والإعمار.

40- في أيار 2007 وشباط 2008، انتهت الأشغال في البلوك (أ) و (ب) من المشروع على التوالي. وفي كانون الثاني ٢٠١٠، انتهت الأشغال في البلوك (ج).

41- https://documents1.worldbank.org/curated/en/743321468054236729/pdf/RP12390ARABIC0020Box367856B03131337.pdf

42- تحديداً 1005790 ليرة لبنانية.

43- بعد صدور قانون تسهيل إسكان المعوزين وذوي الدخل الوضيع والدخل المحدود سنة 1962، توالت الدراسات والتقارير حول إنشاء مساكن شعبية. في شباط من العام 1967، صدر تقرير أوليّ ذكر أن 4 مناطق اختيرت لبناء مساكن شعبية وهي: المكلّس، الحدث، طرابلس، وصور. 

44- كافّة العقارات المُستملكة كانت عبارة عن بساتين سقي تشمل أشجار ليمون وغيرها، ما عدا عقار واحد كان عبارة عن ممرّ. والمساحة الإجمالية المُستملكة كانت ٢٧٦٤٠ م٢. أصبحت اليوم بفعل الضم والفرز عبارة عن ٣ عقارات كبيرة رقم ٩٩١، و١٠٠٦ و١٠٠٧، ملك الجمهورية اللبنانية. 

45- صُنّفت الفئات بحسب الدخل السنوي العائلي وفقاً للمرسوم رقم 14753/1963. أمّا مساحات الشقق في المشروع، فتوزّعت على الشكل التالي: مساحة شقق المعوّزين حوالي 100 م2 (5 غرف) أو حوالي 85 م2 (4 غرف)؛ مساحة شقق الميسورين حوالي 100 م2 (4 غرف) أو 80 م2 (3 غرف) أو 120 م2 (5 غرف) أو 60 م2 (غرفتين)؛ شقق ذوي الدخل المحدود من 4 غرف.

46- كبّارة، عبد الله. 1970. ’الميناء: مدينة البحر تروي قصّتها!‘. 

47- بحسب المرسوم ١٤٧٣٥ المعدّل بالمرسوم٤٧٧١، على اللبنانيين أن يكونوا من المعوّزين، من ذوي الدخل المتواضع أو ذوي الدخل المحدود. أما غير اللبنانيين فكان عليهم للإستفادة، إثبات إقامتهم بصورة دائمة في لبنان قبل أيار ١٩٦٥، أو إثبات أنهم كانوا يشغلون مساكن قرّر مجلس الوزراء إخلائها. إضافةً إلى ذلك، فإن استفادة غير اللبنانيين تقتصر على استئجار مساكن شبيهة بمساكن اللبنانيين المعوزين، وبذلك يكون حق تملّك المساكن الشعبية قد حُصر باللبنانيين دون سواهم.

48- وُضعت دراسة التجهيزات العامة للمشروع من قبل شركة "الإتحاد الهندسي" ، وقامت شركة "هنري إدّه للمهندسين والمعماريين" بوضع الخرائط المعمارية وتصميم المشروع.

49- بتوجيه من أبو رفيق حجازي، أحد قبضايات الميناء. كان ينتمي لحزب العمال  الحركة الشيوعية في طرابلس، وكان نقيب الصيادين في المدينة.

50-  تألّفت أساساً من غرفتي نوم أو ثلاث، حمامين، مطبخ، صالون، وشرفتين أو حديقتين في الطابق الأرضي.

51- بحسب رئيس بلدية الميناء، وصل عدد الوحدات السكنية إلى ٣٠٠ وحدة في التسعينيات، وبحسب مسح أُجري لاحقاً - بين العامين ٢٠٠٩ و٢٠١٠ - بلغ عدد الوحدات ٣٨٦. مصدر المسح:Alissar, E. 2009. ‘Accessibilité aux soins des femmes et des enfants, cas de trois quartiers squattés de la ville d’El-Mina (Liban)’, Revue francophone sur la santé et les territoires.

52-  زادت الوحدات السكنية حوالي ١٠٠ إلى ١٢٠ وحدة.

53- أبو روفايل، كريستينا. 2022. ’طرابلس: نكبة مشاريع إسكان غير مكتملة‘. مجلّة استديو أشغال عامّة. 12 نيسان 2022.https://publicworksstudio.com/ar/articles/طرابلس-نكبة-مشاريع-إسكان-غير-مكتملة

54- رفعت القيمة إلى 600 ألف منذ بضعة أشهر، وعادت ورفعتها مؤخّراً إلى 800 ألف ليرة لبنانية، مع تهديده بدفع 50 دولاراً نقداً عن كلّ يوم تأخير.

55- عائلته المكوّنة من 5 أشخاص تعيش في وحدة غير مخصّصة للسكن أصلاً، وبمساحة لا تكاد تتجاوز 30 م٢، كما يجد نفسه تحت رحمة المؤجّرة.

56- اتفاقيات شفهية بين المستأجر و"صاحب" المسكن، دون أن تكون مسجلة لدى البلدية أو كاتب العدل. هناك صعوبة في إثبات شروط هذه العقود وأحكامها.

57- على الرغم من عدم وجود أي سندات ملكية مع "أصحاب" المساكن في المساكن الشعبية، إلّا أن عمليات البيع والشراء تتمّ بطريقة شبه رسمية، لدى كاتب العدل. وبما أن المسكن هو في الأصل واقع على عقار تعود ملكيته للدولة اللبنانية، فلا يمكن شراء العقار قانونياً، إنّما ينظّم كاتب العدل ورقة انتفاع من المسكن، تسمح للشاري باستثمار المسكن والتصرّف به كيفما يشاء ويرغب، لقاء مبلغ مالي يُتّفق عليه بين البائع والشاري.  

58-  الصعوبة في الوصول إلى التغذية الكهربائية تتضمّن: تغذية مولّد أقل من ٥ أمبير، وحدة سكنية غير مشبوكة على أي مصدر بديل لكهرباء الدولة (كمولّد خاص)، معدّل التغذية الكهربائية من أي مصدر أقلّ من ٨ ساعات.

59- بحسب تقرير مرصد السكن آذار- أيار 2022، نسبة الحالات الموثّقة التي أعرب سكّانها أن التغذية الكهربائية التي تصلهم لا تكفيهم للطهي والتدفئة والإنارة هي 19.3% فقط، أمّا نسبة الذين لا يملكون وسائل للتدفئة، بحسب التقرير ذاته، فهي 5.26%.

60- بحسب تقرير مرصد السكن آذار- أيار 2022، نسبة الحالات الموثّقة التي يبقى سكّانها دون مصدر مياه لفتراتٍ طويلة 7.02% فقط، وبحسب تقرير حزيران - آب 2022 النسبة هي 10.7%. أمّا نسبة غير المشروكين على شبكة مياه الدولة من الأساس، بحسب تقرير حزيران - آب 2022، فهي 7.1%.

61- كتشقّقاتٍ في الجدران، أو حديدٍ ظاهرٍ، أو سقفٍ ينذر بإمكانية وقوعه، أو فيضٍ للمياه بشكلٍ مستمرٍّ إلى داخل المبنى.

62- بحسب تقرير مرصد السكن آذار- أيار 2022، نسبة الحالات الموثّقة التي يقلق السكان فيها حول سلامة المبنى هي 12.3% فقط. بحسب تقرير حزيران - آب 2022، النسبة هي 23.2%.

63- سواءً أكان فيها إمدادات كهربائية مكشوفة، أو أدراجٍ غير مكتملة و/أو دون درابزين و/أو دون إضاءة، الخ.

64- بحسب تقرير مرصد السكن آذار- أيار 2022، نسبة الحالات الموثّقة ذات الأقسام المشتركة غير السليمة هي 10.5% فقط. بحسب تقرير حزيران - آب 2022، النسبة هي 23.2%.

65- تتّخذ المنكوبين اليوم حدوداً جغرافية مع كلٍّ من مخيّم البداوي، ومنطقة وادي نحلة، ومنطقة التبّانة العقارية في طرابلس (من ضمنها جبل محسن). في البداية، كانت تقع في النطاق البلدي لبلدية طرابلس، باعتبار أن غالبية سكّانها هم من المتضرّرين من فيضان نهر أبو علي، أي من ناخبي طرابلس. إنّما ضُمّت المنطقة لاحقاً إلى بلدية البداوي لدى استحداثها في أوائل الثمانينات. وفي العام 2016، استحدثت الدولة بلدية وادي نحلة، فتمّ ضمّ منطقة المنكوبين إليها.

66-  Iraqi Petroleum Company  تشترك في ملكيتها بعض أكبر شركات النفط في العالم، ومن بينها شركات بريطانية وفرنسية.

67- الامتياز المصادق عليه في القانون الذي صدر بتاريخ 23/5/1931.

68- نقلت الشركة أعمالها من حيفا إلى طرابلس عام 1948، ما أدّى إلى ارتفاع عدد عمّالها وموظّفيها في طرابلس إلى حوالي 4800 شخصاً (نصفهم من الأجانب). أطلق ذلك طلباً كبيراّ على المساكن في حينها، وارتفعت بدلات الإيجارات في المدينة. ما اضطرّ الشركة إلى بناء مساكن في عدد من أنحاء المدينة وضواحيها، وتقديم قروض سكنية ميسّرة لموظّفيها لتسهيل إقامتهم الدائمة مع أسرهم في طرابلس. (المصدر: رواية دريد حيدر، أحد موظّفي الشركة منذ 1949، في كتاب "طرابلس ساحة الله وميناء الحداثة" للكاتب محمد أبي سمرا).

69- عدد المساكن ضمن البركسات لم يتجاوز 70 مسكناً.

70- ثورة معارضي التدخّل الأميركي/الغربي في لبنان على رئيس الجمهورية آنذاك كميل شمعون. وكان للثورة تأثيرات كبيرة على طرابلس بفعل دعم رئيس الوزراء رشيد كرامي ابن المدينة لها.

71- في العام 2016، باشرت السلطات اللبنانية الأمنية بتشييد جدار إسمنتي مرتفع وأبراج مراقبة على حدود مخيّم عين الحلوة، وذلك من أجل "منع الجهاديين من التسلّل" من وإلى داخل المخيّم، وفقاً لمصادر عسكرية لبنانية. ترافق بناء الجدار مع إغلاق المنافذ من الأحياء السكنية والبساتين المجاورة للمخيّم كإجراءٍ أمني إضافي. (لتفاصيل إضافية حول عسكرة المخيّمات الفلسطينية، مراجعة الجداول الزمنية التي أنتجها استديو أشغال عامّة ضمن مقال ’عن واقع المخيّمات الفلسطينية في لبنان: فصولٌ من الإقصاء والعزل‘).

72- يشير التقرير الصادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية - مجلس الإسكان في شباط 1967، أن مسح الوزارة السريع بيّن وجود 3300 مسكناً غير صحّياً في بيروت والكرنتينا، و1500 في برج حمّود، و2000 في طرابلس، و1199 في صور. أمّا العدد في المناطق الأخرى فلم يكن معروفاً.

73- اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التعليق العام رقم 4 (1991) بشأن الحق في السكن الملائم، الفقرة 8

74-  العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966)، المادة 2 الفقرة 1

75- عن تقرير المقرِّرة الخاصة المعنية بالسكن اللائق كعنصر من عناصر ا لحق في مستوى معيشي مناسب وبالحق في عدم التمييز في هذا السياق، السيدة راكيل رولنيك، مجلس حقوق الإنسان، الدورة الخامسة والعشرون، البند ٣ من جدول الأعمال

76- اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التعليق العام رقم 20 (2009) بشأن عـدم التمييز، الفقرة 2

77- التزم لبنان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966) اللذين تناولا موضوع الحق بالسكن في المواد 25 و11 تباعاً، في مقدمة دستوره ما أكسب الوثيقتين القيمة الدستوريّة.

78- حتى ولو لم تكن موجودة أو فاعلة حالياً، لكنها عندما تصبح كذلك، فهي جزء لا يتجزأ من هذه المعركة، وحملها لمسألة الحق في السكن أساسي لحماية حقوق الطبقة العاملة والمفقّرة.