حزيران - آب 2022: انتهاك الحق في السكن في لبنان: طرابلس نموذجاً
التقرير الدوري
في هذا التقرير - ومنذ آذار 2022 - يوثّق مرصد السكن مدى انتهاك الحق في السكن اللائق بالاستناد إلى المعايير والخصائص التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي المعنية برصد تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي انضّم إليه لبنان عام 1972. وقمنا لهذه الغاية بإعادة صياغة هذه المعايير بما يتلاءم مع السياق المحلي ومع الممارسات الشائعة التي تحكم قطاع الإسكان في لبنان.
يوضّح هذا التقرير الذي يغطّي بلاغات حزيران - آب 2022، أنه وبالرغم من أننا نعاني جميعاً من تداعيات أزمة السكن، إلّا أن المعاناة تتراكم في المناطق التي كانت تتعرّض أصلاً للتهميش والإقصاء، تاريخياً أو قبل الانهيار الاقتصادي. فقد أتت ثلث البلاغات من طرابلس (والمينا) التي سوف نسلط الضوء عليها كنموذجاً لانتهاك لبنان للحق في السكن.
عن البلاغات
تلقّى مرصد السكن خلال الفترة الممتدة من أول حزيران إلى آخر آب 2022، 59 بلاغاً جديداً، تم تحليل الظروف السكنية لـ 56 منها حيث توافرت المعلومات لمقارنتها بمعايير السكن اللائق التي وضعها المرصد والتي استمدها من معايير الحق بالسكن وخصائصه المنصوص عنها في القانون الدولي. يضاف إليها 12 بلاغاً لحالات سابقة تواجه تصعيدات أو ديناميكيات جديدة لحالات تهديد السكن.
بالمجمل، طالت حالات الهشاشة في السكن المبلّغة حوالي 200 شخصاً، معظمهم عائلات (حوالي 78.6% من مجمل الحالات المبلّغة)، وشكّل الأطفال دون الـ 18 حوالي 37.5% من مجمل المتأثّرين، مقابل المسنين الذين شكّلوا 5%.
شكّلت النساء المهددات في سكنهنّ، واللواتي يسكنّ دون شريك، حوالي 6% من مجمل المتأثّرين، علماً أن 25% منهنّ أمهات.
كما رصد المرصد شخص من ذوي الإحتياجات الخاصة، و3 أشخاص كويريات\ين من بين الحالات المبلّغة.
جغرافياً، جاءت أعلى نسب البلاغات من مدينة طرابلس (33.9%)، وقد يعود ذلك بالقسم الأكبر لجهود استوديو أشغال عامة في المدينة خلال هذه الفترة عبر تأسيس فريق مرصد السكن والانخراط في قضايا المدينة. كما من المرجّح أن يشكّل تدهور الأوضاع السكنية في المدينة بشكل عام، عاملاً إضافياً. فطرابلس، وهي إحدى أكثر مدن لبنان تهميشًا وإهمالاً، تتّسم بأعلى معدل فقر في البلاد.
وقد توّزعت هذه البلاغات تحديداً على مناطق الميناء (31.6% من إجمالي بلاغات طرابلس)، ضهر المغر (15.8%)، القبّة (10.5%) وشارع أبو سمراء (10.5%). تأوي هذه الأحياء، التي تشهد بمعظمها تدهوراً في البيئة المبنية، السكان من ذوي الدخل المحدود والأسر المعدمة والفقيرة، بالإضافة إلى آلاف اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، الذين نزحوا إلى طرابلس بحثاً عن السكن الميسّر.
أتت بيروت بعد طرابلس من حيث نسب البلاغات، فجاء منها حوالي 25% من مجمل البلاغات، وتحديداً من المزرعة (26.7% من مجمل بلاغات بيروت)، المصيطبة (26.7%)، رأس بيروت (20%)، الرميل (13.3%)، الأشرفية (6.7%)، والمدور(6.7%).
وتوزّعت باقي البلاغات على بيروت الكبرى ومحيطها (برج حمود، الشياح، سن الفيل، فرن الشباك، البوشرية، حارة حريك)، وغيرها من المناطق اللبنانية (بقسميّا، بليبل، عرمون، كفردلاقوس، جب جنين، كامد اللوز، تمنين التحتا، صيدا، صربا وزحلة).
حجم الإخلاء ونطاقه
تشكّل ممارسة الإخلاء القسري انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان، لا سيما الحق في السكن اللائق، كونها تمسّ بأمن الأفراد السكني. وقد تتسبّب بتدهور حياة المهمشات\ين أو المستضعفات\ين في المجتمع، وتؤدّي إلى تركهم في فقر مدقع وعوز.
توثّق بلاغات مرصد السكن حجم الإخلاء ونطاقه، وقد قمنا برصد 43 طلب إخلاء؛ نٌفّذَت حالتان منها بموجب تعهد أو اتفاق بين المالك والمستأجر، وأربع حالات إخلاء قسري أدّت إحداها إلى تشرّد المستأجر لفترة مؤقتة.
تُشكّل هذه النسبة تقريباً ضعف عدد طلبات الإخلاء الموثّقة في التقرير السابق، إنما لا يمكن الجزم إذا كان هذا دليل على تزايد التهديدات بالإخلاء بالمطلق أو إذا كان المرصد قد تمكّن من توثيق عدد أكبر من التهديدات بسبب جهوده على الأرض.
شكّلت طلبات الإخلاء الشفهية 86% من العدد الإجمالي، مقابل 14% من الطلبات قُدّمت عن طريق توجيه إنذار مكتوب للمستأجر.
يُلحظ من مجمل البلاغات الموثّقة أنه لم يُقدّم أي طلب إخلاء عن طريق القضاء وهو أمر متوقّع نظراً لإضراب القضاة عن العمل خلال هذه الفترة. لكن ذلك لا ينفي تردّد المؤجّرين بشكل عام في اللجوء إلى المحاكم لطلب الإخلاء بسبب طول فترة المحاكمة، أو لعدم قانونية طلباتهم بالإخلاء. وقد تبيّن بالفعل للمرصد بأنّ حوالي 48.1% من طلبات الإخلاء الموثّقة غير قانونية، لتقديمها قبل انقضاء مدّة العقد، دون سبب قانوني، أو لمرافقتها ممارسات تهدف إلى التخويف.
في طرابلس تحديداً، جاءت 63% من التهديدات السكنية على شكل طلبات إخلاء (شفهية بغالبيتها)، حوالي 26.3% منها طالت عائلات مضى أكثر من 10 سنوات على سكنها في البيوت المطلوب منها تركها، و 36.8% طالت عائلات سكنت بيوتها بين ال5 وال10 سنوات. هذه البلاغات، والتي تقول أسر مهدّدة اليوم بأنه يتم سلخها عن محيط سكنته طيلة حياتها، وإبعادها عن علاقات بنتها على مدى السنوات، أتت بمعظمها من أحياء كضهر المغر، القبة، الميناء والتل، وهي أحياء تضمّ أسر بمعظمها من ذوي الدخل المحدود والمتدنّي، وهو أمر أكّدته الأسر المبلّغة عندما أعربت عن عدم قدرتها على إيجاد سكن بديل في حال الإخلاء.
من بين حالات الإخلاء المنفَّذة التي قام المرصد بمتابعتها في طرابلس، حالةٌ لسائق بيك أب سوري الجنسية، اضطر للإخلاء بسبب غلاء المعيشة، وتوزّع أفراد عائلته للسكن عند أقارب وأصدقاء لعدم تمكّنهم من إيجاد السكن البديل.
كما وثقنا حالتين في بيروت، إحداها لمستأجرة لبنانية اضطرّت للإخلاء بسبب سوء الظروف السكنية، وعدم تمكّنها من التوصل إلى حل مع المالكين الرافضين تصليح المأجور، بالإضافة إلى عدم تمكّنها من اللجوء إلى قضاء الأمور المستعجلة المعتكف عن العمل. الحالة الثانية هي لإمرأة عابرة سورية الجنسية، أُخليت ليلاً من غرفة الفندق التي كانت لجأت إلى استئجارها لتأخرها بدفع إيجار شقتها، رغم تدخّل وسطاء لمفاوضة إدارة الفندق بالنيابة عنها. وحالة إخلاء في صربا لعاملة أجنبية من الجالية الكينيّة أدّت إلى تشرّد مؤقت، حيث اضطرت المستأجرة للمكوث في الشارع ليومين، بسبب رفض المؤجّر إعطائها مهلة اليومين التي احتاجتها لتأمين المال اللازم للانتقال إلى شقتها الجديدة.
نعود ونشدّد هنا على حرص القانون الدولي (والذي التزم لبنان تطبيقه عندما ضمّه إلى مقدمة دستوره) على وجوب إجراء الدولة رقابة فعّالة لعمليات الإخلاء، لضمان حصول الأفراد على الدعم والمشورة القانونيين اللازمين، وللتأكد من ألا يؤدّي أي إخلاء إلى تشريد الأفراد أو تعريضهم لانتهاك حقوق أخرى من حقوق الإنسان، محمِّلاً الدولة المسؤولية لاتخاذ كل التدابير المناسبة، بأقصى ما هو متاح لها من موارد، لضمان توفير مسكن بديل ملائم لهم في هذه الحالات.
أمن الحيازة القانوني
يشكّل أمن الحيازة جزءاً لا يتجزّأ من الحق في السكن اللائق، إذ ينبغي لكل فرد أن يتمتع بدرجةٍ من أمن الحيازة تضمن له\ا الحماية القانونية من الإخلاء القسري لمسكنه\ا، ومن المضايقات، وغير ذلك من التهديدات.
إن القوانين اللبنانية تكفل الحدّ الأدنى من أمن الحيازة، إن كان عبر قانون الإيجار الذي يضمن استدامة السكن لثلاث سنوات، أكانت العقود شفهية أو مكتوبة، أو عبر تجريم الإخلاء إن لم يكن بأمر قضائي. لكن البلاغات تشير إلى انتهاك فاضح لهذه الضمانات، وذلك من خلال إشكاليات أساسية قمنا بتوثيقها.
أولاً، إنّ معظم الحالات المبلّغة دخلت المأجور بموجب اتفاقيات شفهية (48.2%)، لكن على الرغم من قانونية العقد الشفهي، يجد المستأجرون أنفسهم في موقعِ ضُعف، كونهم يواجهون صعوبات في إثبات شروط عقودهم وأحكامها. ثانياً، ورغم أن النسبة الأكبر من المبلّغين يملكون مستندات من المفترض أن تؤمّن لهم الحماية القانونية، إلا أنّ تحليل الحالات يبيّن عكس ذلك: فحوالي 48.1% من البلاغات الموثّقة طُلب منها الإخلاء قبل انقضاء مدّة عقودها. 22.2% لم تتخطَّ عقود إيجارها الثلاث سنوات، و21.4% منها لم تتخطَّ السنة. كما أنّ الإخلاء والتهديد به يلاحق أيضاً المستأجرين/ات بموجب العقود المكتوبة تماماً كالمستأجرين/ات بموجب العقود الشفهية، وهو أمر يمكن استنتاجه مبدئياً من تَقارُب نسب المبلّغين من الفئتين، في ظل صعوبة دفاع المستأجرين/ات عن حقوقهم/ن بسبب اعتكاف الجهات القضائية والأمنية عن العمل. بالمقابل، اشتكى 68.5% من إجمالي المبلّغين من رفع المؤجر لقيمة الإيجار قبل انتهاء العقد، ومنهم من واجهوا زيادةً متكررةً لقيمة الإيجار خلال السنة (15.1%)، كما أنّ 44.4% طُلب منهم دفع البدلات بالدولار النقدي، أو وفق سعر صرف مغاير للسعر الرسمي.
أمّا في طرابلس، فإن حيازة جميع المبلّغين تقريباً على مستندات تُثبت سكنهم، ومسك حوالي 52.6% منهم لعقود مكتوبة، 60% منها مسجّلة، لم يحميهم من التهديدات بالإخلاء، وهو ما يشير إلى انتهاك فاضح لأمن الحيازة التي يؤمّنها قانون الإيجارات، والمتمثل بضبط القيمة التأجيرية والحق في استخدام المأجور لثلاث سنوات من تاريخ بدء العلاقة التأجيريّة.
ويزداد الوضع سوءاً عندما يتبيّن أنّ 31.5% من المستأجرين اشتكوا من مضايقة المؤجرين لهم واتباع أساليب غير أخلاقية تهدف إلى تخويفهم ودفعهم إلى ترك المأجور، مخالفةً لموجب المؤجر بضمان عدم التعرّض للمستأجر خلال فترة الإجارة والمنصوص عليه أيضاً في قانون الإيجارات. وقد وثّق المرصد بعض الممارسات من قبل المؤجرين كقطع المياه والتيار الكهربائي عن الشقة (1.9% من إجمالي الحالات الموثّقة)، ووضع ضوابط حول استخدام الحمامات أو المطبخ (1.8%)، وتهديد بوضع قفل على الباب لمنع المستأجرين من ولوج المأجور، وصولاً إلى التعدّي اللفظي وتهديدهم بالعنف الجسدي (5.4%)، واستغلال صعوبة لجوء بعض الحالات لقوى الأمن أو القضاء بسبب هشاشة وضعها القانوني/الاجتماعي و تهديدها بالإيذاء (3.6%) أو بتسليمها للأمن العام (1.8%) إن لم يتم الإخلاء.
هذا التجاهل الصارخ للحد الأدنى من الحماية القانونية الذي يُفترض أن يؤمّنها القانون، من شأنه أن يتفاقم مع استمرار إضراب الجهات القضائية والأمنية وبالتالي تعطيل الجهات المختصة بالرقابة والمحاسبة وتطبيق القانون.
صلاحية السكن
لا يكون السكن لائقاً إذا لم يضمن السلامة الجسدية للسكان أو يوفّر مساحة كافية، وحماية من المخاطر الهيكلية، ومن البرد والرطوبة والحر والمطر والريح وغيرها ممّا يهدّد الصحة.
من بين البلاغات التي وصلت إلى المرصد، 23.2% عبّروا عن قلق حول سلامة المبنى وبلّغوا عن رؤيتهم لتشقّقات (16%)، وحديد ظاهر (7.14%) كما بلّغوا عن دخول المياه الى داخل المبنى بشكل متكرر (5.4%). كما أنّ 23.2% بلّغوا عن سكنهم في مبنى ذي أقسام مشتركة غير سليمة: السطح غير مزود بعزل للنش، إمدادات كهربائية مكشوفة في المبنى، وجود نفايات وقوارض في الأقسام المشتركة، عدم اكتمال الدرج وعدم تزويده بالإنارة والدرابزين. بالإضافة إلى أنّ منازل 19.6% من إجمالي المبلّغين تفتقد إلى الصرف الصحي الملائم.
ووثّق المرصد حالتين لسكان في وحدات غير مخصصة للسكن: حالة للاجئ سوري يسكن في خيمة غير مثبّتة في مخيم غير رسمي في بقسميا، وحالة للبناني في طرابلس يقطن غرفة مستحدثة على السطح.
تُظهر هذه المعطيات انتهاكاً لمبدأ القابلية للسكن وكيف بات السكان - مع اشتداد الأزمة الاقتصادية - مستعدين للقبول بظروف أقل من آمنة، تماشياً مع قدراتهم المادية.
أما من ناحية جودة الظروف السكنية، فإنّ 48.2% من المبلغين يعانون من النش، و25% منهم يسكنون في وحدات لا تحميهم من ظروف الطقس القاسية، لوجود تشقّقات في الأبواب والنوافذ تؤدي لتسرّب الهواء أو الأمطار أو الريح الشديد، و8.9% من إجمالي الحالات الموثّقة يسكنون في وحدات لا يدخلها النور والهواء. ممّا يشير إلى ازدياد تردّي وضع المساكن يوماً بعد يوم وبشكل عام، نتيجةً لصعوبة الترميم والتصليح في ظل الغلاء.
بالمقابل 25% من المبلغين اشتكوا من سكنهم في وحدات مكتظة، ما يشير إلى اضطرار المزيد من الأفراد لمشاركة السكن ليتمكنوا من تحمّل المصاريف، أو لعدم توفر البديل الأنسب.
جغرافياً، أتى الكم الأكبر من بلاغات عدم صلاحية السكن من طرابلس (25% من إجمالي الحالات الموثّقة)، وتحديداً من أحياء المينا (10.7%) وضهر المغر (3.6%)، والقبّة (1.8%) والتل (1.8%). بالفعل تبيّن أن 10.7% من إجمالي الحالات الموثّقة كان هدف اتصالها الأساسي، التبليغ عن خطر انشائي محتمل، وأتت جميعها من طرابلس، تحديداً من أحياء ضهر المغر والمينا. وهي أحياء تعاني من تدهوراً في البيئة المبنية نتيجة إهمال أعمال الترميم والصيانة. فالمينا تشكّل جزءاً من المدينة القديمة وتصنَّف معظم أحيائها وأبنيتها بالتراثية، ممّا يجعل ترميمها خاضعاً لشروط وتدابير معقّدة، تُصعّب حصول السكان على إذن للترميم و تجعله باهظاً. يُضاف إلى ذلك اعتكاف بلدية المينا عن العمل وتوقّفها عن أداء دورها بالإشراف على الأبنية وملاحقة أعمال الصيانة والترميم.
أمّا حي ضهر المغر، فيضم أبنيةً متآكلة إلى حد الإنهيار لم تخضع لأي عملية ترميم أو تأهيل منذ عقود. أضيفت إليها إنشاءات عمرانية للاستجابة لازدياد عدد الأسر المعدمة والفقيرة، التي لجأت إلى الحي بحثاً عن السكن الميسور.
رصد المرصد أيضاً ثلاث حالات لسكان في أبنية تعاني من مخاطر إنشائية، حالتين من ضهر المغر في طرابلس بلّغت عن سقوط عناصر من المبنى، كأحد الطوابق العليا أو الشرفات، وحالة من مشروع محرّم في طرابلس تواجه خطر سقوط مبنى مجاور على المبنى الذي تسكن فيه.
القدرة على تحمّل التكاليف
يجب ألّا تُهدِّد تكاليف السكن الميسّر المالية، الفردية أو الأُسرية، القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية الأخرى (كالحصول على الغذاء والتعليم والرعاية الصحية) أو تقوّضها.
تُظهر البلاغات أن حوالي 46.3% من المبلّغين يشعرون بخطر فقدان مساكنهم بسبب غلاء تكلفتها. فمن بين المبلّغين ال31 الذين وافقوا على الإفصاح عن دخلهم الشهري، تبيّن أن حوالي 48.4% ينفقون أكثر من نصف دخلهم على مصاريف السكن، و16.1% منهم ينفقون أكثر من النصف (عند احتساب الدولار على 38000 ل.ل.). كما يتقاضى 84.8% معاشاتهم بالليرة اللبنانية، مقابل 9.1% يحصلون على الدولار.
يُلحظ في هذا التقرير ارتفاع متوسط الدخل بالمقارنة مع التقرير السابق: إذ سجّل هذا التقرير أن متوسط الدخل للمبلّغين يتجاوز ال 4،000،000 ليرة لبنانية، فيما بلغ حوالي 1،340،000 ليرة لبنانية في التقرير السابق.
وقد يكون السبب تعديل الشركات لرواتبها، والعمّال لأجرتهم نظراً للغلاء وتضخّم الأسعار، كما في حالة العاملين لحسابهم الخاص والحرفيين والمياومين.
لكن ذلك لا يدلّ على انفراج محتمل لأزمة الإيجارات، بفعل دولرة أسعار الإيجار وارتفاعها التدريجي مع تفاقم الأزمة الاقتصادية. وفي ظل تقاعس الدولة عن تدخّلها لتنظيم قطاع الإسكان وضبط أسعاره، ستستمر الفجوة بين مداخيل الناس ومصاريف السكن بالاتساع.
وقد أتت معظم هذه الحالات من طرابلس (36.4%)، وبيروت (27.3%) ومحيط بيروت (برج حموّد 12%، الشياح 6.1%، البوشرية 6.1%، حارة حريك 3%، فرن الشباك 3%). 10.7% من المبلغين عاطلين عن العمل، اتصل 50% منهم من طرابلس، وهم من كافة الجنسيات، وصرّحوا أنهم يعتمدون على مساعدات من أقارب أو جمعيات، أو ينفقون من مدخراتهم أو يتطوعون في أعمال مختلفة أملاً منهم بالحصول على عمل مأجور لتأمين مصاريف السكن.
بالمقابل، اعتمد 5.6% من إجمالي المبلغين أساليب غير ملائمة لهم لتأمين كلفة السكن، ومن بين الحالات التي صرّحت عن التخّلف عن دفع الإيجار، 16.7% منهم لديهم إيجار متراكم لأكثر من ثلاث أشهر. تبدو هذه النسب منخفضة مقارنةً بالتقرير السابق، وذلك لكون غالبية الحالات في هذا التقرير حالات تهديد بالإخلاء بدون وجود كسر في دفع الإيجار، في حين احتوى التقرير السابق على ما يزيد عن 50٪ من حالات تأخّر الإيجار. والسبب هو أن معظم بلاغات هذا التقرير آتية من مدينة طرابلس حيث كانت الإيجارات متدنية بالمقارنة مع إيجارات المناطق الأخرى. وقد بدأت طرابلس تشهد موجة دولرة أسعارها، ليصبح السكن بعيداً عن متناول معظم الأُسر والأفراد في إحدى المدن الأكثر فقراً لناحية الدخل والأكثر تدهوراً من ناحية البيئة العمرانية.
توافُر الخدمات والمرافق العامة والبنى التحتية
لا يكون السكن لائقاً إذا كان القاطنون فيه يفتقرون إلى مياه الشرب، أو الصرف الصحي الملائم، أو الطاقة للطهي أو التدفئة، أو الإنارة وضوء الشمس والتهوئة، أو وسائل تخزين الأغذية أو أساليب التخلص من النفايات.
لناحية الوصول إلى الخدمات الأساسية، تُبيّن الحالات الموثّقة أن حوالي 23.2% من السكان ليس لديهم إمكانية للوصول إلى الكهرباء أو أي مصدر طاقة آخر مثل الإشتراك أو المولّد. و46.4% لا تتوفّر لديهم الطاقة اللازمة للطهي والتدفئة والإنارة. يعود ذلك على الأرجح لارتفاع فواتير المولدات و قوارير الغاز ودولرتها، ما جعلها خارج القدرة الشرائية لمعظم الأسر والأفراد، الذين اضطروا بالتالي إلى تقليص حجم استهلاكهم للطاقة، أو الاستغناء كلياً عن بعض مصادر توليد الطاقة.
فما يقارب 41.1% من المبلّغين يستخدمون أقل من ٥ أمبير في منازلهم، بينما يحصل 26.8% منهم على أقل من 8 ساعات من الكهرباء يومياً.
12.5% من المبلغين لا تتوفّر ليس لديهم مياه صحية أو نظيفة، و10.7% تنقطع عنهم المياه لفترات طويلة، في حين 7.1% من المبلغين ليس لديهم وصول إلى شبكة مياه الدولة و8.9% يعتمدون على التعبئة من مراكز خاصة لبيع المياه، كوسيلة أساسية للحصول على الماء.
أمّا بالنسبة للتجهيز المنزلي الملائم، فقد بلّغت 5.4% من الحالات الموثّقة عن افتقادها التجهيزات اللازمة لتخزين المأكولات أو طهيها، فيما يفتقد 3.6% منها إلى التجهيزات اللازمة لتأمين التدفئة، وهو ما يدل على افتقاد بعض المنازل للحد الأدنى من المقوّمات التي تجعلها قابلة للسكن.
بالنظر إلى توزّع البلاغات على الفئات الاجتماعية والمناطق، نجد أن المعاناة للوصول إلى الخدمات الأساسية بشكل لائق تتوزّع بشكل متساوٍ تقريباً على الجميع، دلالةً على مدى تدهور الخدمات الأساسية والبنى التحتية نتيجة الانهيار الاقتصادي.
الموقع
يفترض بالسكن اللائق ألّا يكون معزولاً وبعيداً عن فرص العمل، وخدمات الرعاية الصحية، والمدارس، ومراكز رعاية الأطفال، وغيرها من المرافق الاجتماعية، وألا يكون في مناطق ملوثة أو خطيرة.
وثّق المرصد خمس بلاغات لأفراد يسكنون في مناطق قريبة من مصادر ملوّثة (8.9%)، أتت معظمها من أحياء في برج حمود لما تعانيه هذه المنطقة من سوء إدارة النفايات، وهو ما نجم عن سنين طويلة من سوء إدارة المطمر.
كما أتتنا ثلاث بلاغات لأفراد يسكنون في تجمّعات سكنية بمواصفات غير سليمة، إذ سجّل المرصد حالتَي سكن في أحياء غير رسمية، إحداها لعائلة سورية تشارك السكن في شقة مكتظّة في الأوزاعي، لا وصول لديها لكهرباء الدولة ولا لشبكة الصرف الصحي؛ وأخرى لعائلة سورية تسكن منذ ما يقارب الخمس سنوات في خيم غير ثابتة تفتقد معظم مقومات السكن اللائق في مخيّم غير رسمي للاجئين السوريين في بقسميا.
كما سجّل المرصد حالات ضمن مجمّع سكني مهمل يواجه مخاطر وشيكة بانهيار المباني. يقع المجمّع في حي ضهر المغر الذي يشهد تدهوراً في البيئة المبنية، ولم تخضع مبانيه لأي عمليات ترميم وتأهيل منذ عقود، فباتت متآكلة إلى حد الإنهيار. يمكن قراءة المزيد عن هذه الحالة وعن تدخّل المرصد هنا.
الملاءمة من الناحية الاجتماعية والثقافية
يكون السكن لائقاً إذا احترم التعبير عن الهوية الثقافية والاندماج الاجتماعي.
عبّر 94.6% من المبلّغين عن أنهم غير قادرين على الانخراط في إطار تنظيمي محلي. قد يعود سبب ذلك لكون النسبة الأكبر من المبلّغين من المستأجرين، وكون معظم لجان المباني محصورة بالمالكين دون المستأجرين. ففي معظم الأحيان، حتى ولو كان المستأجرون على علم بوجود لجنة للمبنى، لا تتمّ دعوتهم للانضمام إليها ولا المشاركة في اجتماعاتها، باعتبارهم مقيمين لفترة مؤقتة.
كما صرّح البعض (3.6%) عن تعرّضهم لمضايقات وتمييز كونهم لاجئين سوريين. إذ وثّق المرصد حالتين لعائلتين سوريتين من الطبقة العاملة، تستأجران وحدات سكنية في بيروت، تفتقد الكهرباء والصرف الصحّي السليم، وتواجه الحالتان ارتفاعات متكرّرة للإيجار، ما يعرّضهما لخطر خسارة مساكنهما.
وعبّر أفراد العائلتين المبلّغتين عن شعورهم بأنهم غير قادرات وقادرين على مواجهة المالك خاصةً بغياب من يمكن أن يتوسط لهم أو الوقوف إلى جانبهم من بين جيرانهم، لعدم استطاعتهم نسج علاقات ودية مع سكان محيطهم، بسبب خلفيتهم الاجتماعية.
وبينما ينصّ القانون الدولي على ضرورة ضمان الوصول للسكن بعيداً عن أي نوع من التمييز في المعاملة، يتم استضعاف بعض الأفراد بسبب طبقاتهن\م الاجتماعية، الثقافية، أو الدينية المختلفة وافتقادهن\م للامتيازات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، بشكل يسهّل استغلال هشاشاتهن/م لفرض شروط سكن غير لائقة أو آمنة، عدا كونهن/م أكثر عرضة للمضايقة والضغوطات المعنوية من قبل محيطهن/م أو مؤجرهن/م لدفعهم على الإخلاء.
تلبية الحاجات
يكون السكن لائقاً إذا أخذ احتياجات كبار السن والمعوّقين في الاعتبار
وثّق المرصد حالة لامرأة لبنانية تعمل كعاملة تنظيف في مدرسة، وتعيل وحدها والدتها المقعدة وولديها القُصّر. بلّغت صاحبة الحالة عن مواجهتها صعوبة في إيجاد السكن الذي يلائم حاجات والدتها وتعرّضها للتمييز أثناء عملية البحث. إلى أن اضطرت لمشاركة السكن في شقة مكتظّة في الأوزاعي.
اشتكت صاحبة الحالة من عدم جهوزيّة مدخل المبنى للكرسي المتحرّك الخاص بوالدتها، وعدم ملائمة المصعد لحركتها، عدا عن عدم تمتّعها بالخصوصية في منزلها.
أمّا من بين الأشخاص المسنّين الذين بلّغوا عن هشاشاتهم السكنية للمرصد، فقد صرّح 28.6% عن سكنهم في بيوت لا تلائمهم، لكون المصاعد خارج الخدمة أو عدم ملائمة الدرج لحركتهم.
يعمل مرصد السكن على توثيق حالات تهديد السكن، وبناء تضامن جماعي ودعم الحق في السكن للجميع دون تمييز، كما يضغط نحو سياسات سكنية دامجة.
بلّغ/ي عن انتهاك حقك بالسكن الآمن واللائق والمستدام عبر ععلى الرقم 81017023، أو عبر البريد الالكتروني: info@housingmonitor.org.