كانون الثاني وشباط ٢٠٢١

رصدنا من خلال مرصد السكن عدداً من البلاغات التي تستطيع أن تلقي قليلاً من الضوء على الوضع سريع التدهور الذي تمرّ به الفئات الأكثر استضعافاً في لبنان، ممّا يزيد بشكل واضح من هشاشة السكن في المناطق المتضررة وفي العاصمة ككل.

خلال أوّل شهرين من عام ٢٠٢١، وصلنا ٨٨ بلاغاً متعلّقاً بهشاشة سكنية تؤثّر على ٢٣٧ شخص، حوالي نصفهم أطفال. ومن بين البلاغات هناك ٣٦ إمرأة يسكنن وحيدات مع أولادهن، وهن مهددا بالإخلاء. 

 

أتت البلاغات من أشخاص ينتمون إلى ١٢ جنسية مختلفة تسكن المدينة، ويتشاركون همّ كلفة الإيجار. أصبح بدل الإيجار عبءً على أكثرية المبلّغين، بحيث لا يستطيع نصفهم تسديد بدلات الإيجار الحالية. أمّا النصف الثاني فلديه بدلات إيجار متراكمة وصل أعلاها إلى ٦ ملايين ليرة.

تتراوح قيمة إيجارات المبلّغين غير القادرين على دفع إيجاراتهم بين ٣٠٠ ألف ومليون ليرة، من بينهم ٤ مبلّغين من المناطق المتضرّرة، وقد تمّ إخلاء اثنين منهم. 

١٤٪ من المبلّغين يسكنون المناطق المتضررة، حيث تشكّل مسألة الترميم العامل الأساس في خطر إخلائهم، إمّا جرّاء المماطلة في القيام بأعمال إعادة التأهيل الضرورية لضمان عودتهم، أو جرّاء استبدالهم بمستأجرين جدد بعد القيام بترميم بيوتهم، بهدف زيادة قيمة الإيجار. 

ويطرح ذلك سؤالاً كبيراً على المسؤولين والمعنيّين والجمعيات العاملة في المنطقة، بخصوص المعايير المتّبعة للحفاظ على الحقوق السكنية وتعزيز توفّر مساكن لائقة وميسّرة كجزء لا يتجزّأ من عملية إعادة التأهيل. 

تتمازج في أحياء الكرنتينا، الخضر، البدوي، الجعيتاوي ومار مخايل فاجعة تفجير المرفأ مع تدهور الأوضاع الاقتصادية، ونرى بوضوح المآسي اليومية التي تنتجها غياب السياسات السكنية في لبنان. فقد أصبح انعدام الخيارات السكنية الملائمة ومعقولة الكلفة أو المجانية كما عدم وجود إجراءات جديّة وفعّالة لحماية السكاّن من الإخلاء في ظل الأزمات، يشكّل أكبر تهديد على الأمن السكني اليوم. لم يتضرّر سكّان المناطق القريبة من المرفأ من التفجير فحسب، بل من خسارة مداخيلهم خلال التعبئة العامة أو بسبب الانهيار الاقتصادي. إنتقل عدد كبير ممّن تركوا بيوتهم عنوة بسبب الأضرار الناتجة عن التفجير إلى بيوت غير ملائمة للسكن، وتعذّرت عودتهم حين اقترنت بتسديد إيجارات متراكمة.  فعبء بدلات الإيجار على الأمن السكني في مدينة  تتعرّض لانهيارات متتالية وأكثر من نصف سكانها من المستأجرين، أصبح أمراً لا يمكن التغاضي عنه. 

بدلاً من التحاصص وإضاعة الوقت، وجب على المسؤولين أن يضعوا صيغة جديدة للإيجار العادل، وكيفية التنازل عن الايجارات المتراكمة، كما حماية السكّان من الإخلاء في حال تعذّر تأمين بديل سكني ملائم، وتطوير برامج سكنية تنتج سكناً آمناً، دامجاً واجتماعياً. 

كذلك يتوجّب على السلطات في هذه الأوضاع تشجيع عرض الشقق بأسعار منخفضة بدلاً من إبقائها شاغرة، ممّا يتطلّب وضع ضرائب على الشقق الخالية وتوجيه ميزانيات لإعادة تأهيل الشقق بهدف زيادة المخزون السكني الاجتماعي.