حلّ خلافات الإيجار: أدواتٌ قانونيةٌ يعتمدها مرصد السّكن للحدّ من النزاعات بين المالك والمستأجِر

دراسات وتوصيات

استنادًا الى بلاغات مرصد السكن  خلال تموز-آب 2021

في خلال شهرَي تمّوز وآب، تابع مرصدُ السّكن 40 حالةٍ من حالات الهشاشة في السّكن، يعانيها ما مجموعه 206 أفراد. يهدف هذا التقرير إلى تلخيص بعض الاستراتيجيات القانونية التي اعتمدها فريقُ العمل القانوني في مرصد السّكن لمساعدة المُتّصلين على تجاوز الصعوبات السّكنية.

كان للأزمة الاقتصادية والمالية اللبنانية تأثيرٌ حادٌ على قطاع السّكن المنهَك أساسًا، ما فاقم اضطرابَ وضع المستأجِرين على وجه الخصوص. بالطبع، تمحورَت كلّ الحالات المسجّلة في شهرَي تمّوز وآب حول الخلافات على الإيجار، فيما بلّغ أكثر من نصف المتّصلين عن زيادةٍ مفرطةٍ في بدَل الإيجار.

تعيش سميّة مع زوجها، وابنهما، وشقيقها وشقيق زوجها في شقةٍ صغيرةٍ في برج حمود، انتقلوا إليها العام الماضي. وبعد أن تكفّلت إحدى المنظمات غير الحكومية بتجديد المنزل، رفع المالِكُ بدَل الإيجار من 400 ألف ليرةٍ إلى 550 ألف ليرة، ثم طالب بـ 700 ألف ليرةٍ على أن ترتفع إلى 800 ألف ليرةٍ في

الشهر التالي. وعندما اعترضَتِ الأسرة على تلك الزيادة، طلب المالِكُ إليهم مغادرة الشقّة، من دون أن يكون في حوزتهم أيّ عقدٍ خطّي.

في غضون ثمانية شهور، ارتفع بدَل إيجار شقّة أريج من 500 ألف ليرةٍ إلى 600 ألف ليرة، ثم إلى 800 ألف ليرة. كما فرض عليها المالكُ مبلغًا إضافيًا قدره 350 ألف ليرةٍ لقاء خدمات مولّد الكهرباء.

بعد عامٍ على استئجاره الشقّة، خيّر المالكُ المستأجِرَ أسامة بين القَبول بمضاعفة بدَل الإيجار أو المغادرة.

1. خلافات على بدل الإيجار: كيف يَقي مرصدُ السّكن المستأجِرينَ الطردَ من بيوتهم بفعل غلاء الإيجار؟

 

لا يمكن تغيير بدل الإيجار شهريًا، فالاتفاقية تمتدّ لثلاث سنوات:

ضمان الحيازة هو مكوّنٌ مركزي في الحقّ في السّكن اللائق، فقانون حقوق الإنسان الدولي ينصّ على حقّ جميع الناس بالتمتع بدرجةٍ ما من ضمان الحيازة، تضمن لهم الحماية القانونية من الإخلاء القسري، والمضايقات وغير ذلك من التهديدات التي قد تطالهم. أما القانون اللبناني المحلّي، فيُحدّد فترة الحماية تلك بثلاث سنوات (المادة 543 من قانون الموجبات والعقود). في الواقع، ينصّ القانون على أنّ أيّ اتفاقية تأجيرٍ تقلّ مدّتها عن ثلاث سنواتٍ تُعتبر تلقائيًا صالحةً لثلاث سنوات. بالتالي، طيلة فترة الحماية تلك، تُعتبر أيّ زيادةٍ في بدل الإيجار غير قانونيةٍ إلا في حال موافقة المستأجِر عليها. بناءً عليه، ينصح مرصدُ السّكن المتّصلينَ بعدم تسديد أيّ بدلاتٍ إضافيةٍ تزيد عن المبلغ المُتّفق عليه أساسًا، لأنّ القانون يعتبر تسديد الزيادة، ولو لمرّةٍ واحدة، بمثابة موافقةٍ ضمنيةٍ على تغيير بنود العقد.

عند انقضاء فترة الثلاث سنواتٍ المنصوص عليها في القانون اللبناني للأملاك المبنيّة، يحقّ للمالِك إما إنهاء العقد أو تجديده لسنةٍ إضافية. لكن في حال إقدامه، في معرض تجديد العقد، على تغيير أيٍّ من بنوده الأصلية كزيادة بدل الإيجار، يُعتبر ذلك دخولًا في عقدٍ جديدٍ يُجدّد تلقائيًا لثلاث سنواتٍ أخرى.

كلّ ما تقدّم ينطبق على العقود الشفهيّة أيضًا

وللحدّ من الرسوم الباهظة التي يتقاضها الكاتبُ بالعدل، يقترح المرصدُ تجميع بدَلاتِ عددٍ من الشهور وإيداعها لدى الكاتب بالعدل مرّةً واحدة. وقد يكون من الأكثر أمانًا تسديد الرسوم بالكامل لدى إيداع أوّل دفعةٍ من بدَلات الإيجار، ثم اعتماد تلك الاستراتيجية لإيداع الدّفعات اللاحقة.

وبدأ مرصدُ السّكن بالتعاون مع الكتّاب بالعدل المُستعدّين لتقديم خدماتهم لقاء رسومٍ مخفّضة.

تمديد فترة الحماية للمباني المتضرّرة جرّاء تفجير المرفأ

طيلة الأعوام الثمانية الماضية، كانت كلير وزميلاتها يقطنّ شقةً مستأجرةً في محلّة الدورة. إثر وفاة المالِك في تفجير مرفأ بيروت يوم 4 آب 2020، جرى تعيين محامٍ للإشراف على جَمع البدَلات من السّكان، فشرَع بفرض زياداتٍ كبيرةٍ على الإيجار.

وعندما اتصلَت بمرصد السّكن، علِمَت كلير أنّه بفعل تعرّض مبناها لأضرارٍ جسيمةٍ جرّاء التفجير، تستطيع وزميلاتها في السّكن الاستفادة من القانون 194/2020، ما يعني تمديد عقد الإيجار لعامٍ إضافي وفقًا للبنود الأصلية وعدم قانونية رفع البدَل طيلة تلك المدّة.

بالإضافة إلى ذلك، بما أنّ المالِك والممثّلين عنه لَم ينجزوا أيّ تصليحاتٍ في الشقّة، ما جعل أجزاءً منها غير قابلةٍ للاستخدام، تمتلك كلير حقّ التفاوض لتخفيض بدَل الإيجار بموجب المادة 563 من قانون الموجبات والعقود، التي تنصّ على حقّ المستأجِر بطلب تخفيض قيمة الإيجار في حال تعرّض المأجور لضررٍ جزئي يجعله غير قابلٍ للاستخدام للغرض المنشود وفقًا لاتفاقية التأجير.

2. التهديد بالإخلاء: متى يكون التهديد قانونيًا وكيفية مواجهته

تضمّنَت الخلافات الأخرى المسجّلة في شهرَي تمّوز وآب تهديداتٍ بالإخلاء وجّهها مالِكون راغبون بإفراغ أملاكهم المستأجَرة. وتنوّعَت دوافع المالِكين بين الرغبة بإقفال أملاكهم من أجل توفير تكاليف التصليح والصيانة، أو تركها فارغةً ومعلّقةً بهدف بيعها في نهاية المطاف لأحد مشاريع إعادة الإعمار، أو الأمل باستبدال المستأجِرين بآخرين يستطيعون تحمّل بدَل إيجارٍ أعلى. وينطبق السّبب الأخير خصوصًا على الوحدات السكنية التي رمّمتها المنظّماتُ غير الحكومية بعد تفجير مرفأ بيروت.

على سبيل المثال، طُلب إلى تمام وأسرتها المؤلّفة من 14 شخصًا مغادرةَ الشقّة التي استأجروها في برج حمّود، بعد أن أصلحَت إحدى المنظّمات غير الحكومية تسرّبًا لطالما عاناهُ المبنى. فالمالِك الذي نجح في إخلاء عائلةٍ أخرى من المبنى ذاته، كان يخطّط لبَيعه بعد أن تخلّص من مشكلة التسرّب فيه.

وواجهَت سالي وضعًا مشابهًا عندما طلب المالكُ من أسرتِها مغادرة منزلهم في سبلين من دون سببٍ واضح، بينما تعتقد هي أنّه ينوي إقفال الشقّة تفاديًا لتسديد الضرائب وتكاليف الصيانة.

ينبغي التأكيد على أنّ المالِك لا يستطيع إخلاء المستأجِرين فجأةً ومن دون سابق إنذار. في الواقع، يجيزُ القانون الدولي لحقوق الإنسان الإخلاءَ في الظروف الاستثنائية حصرًا، بعد توجيه إنذارٍ بمدّةٍ ملائمةٍ ومعقولة، والالتزام بلائحةٍ من التدابير والإجراءات التي تحمي المستأجِرين.
بناءً عليه، ينصّ بوضوحٍ إطارُ العمل القانوني اللبناني الخاص بالإخلاء على إلزامية صدور قرار الإخلاء عن المحكمة، وعدم جواز إقدام المالِك على إخلاء المستأجِر من دون أمرٍ من المحكمة.

لكن على الرغم من الحماية التي يوفّرها إطارُ العمل القانوني هذا للمستأجِرين، بما في ذلك عقود الإيجار الشفهيّة، فإنّ معظم حالات الإخلاء تتمّ عمليًا بلا مراعاةٍ للأصول القانونية الواجبة وفي غياب أيّ حمايةٍ قانونيةٍ ملائمة، ما يعني أنها حالات إخلاءٍ قسري. بالإضافة إلى ذلك، يميل المالِكون إلى إخلاء المستأجِرين من دون إنذارٍ وافٍ، ما يضعهم في موقفٍ هشٍّ ويعرّضهم لخطر التشرّد.

يعود هذا بدرجةٍ كبيرةٍ إلى جهل معظم المستأجِرين والمالِكين والبلديّات بضرورة صدور قرار الإخلاء عن المحكمة، لكونها قاعدةً غير مكتوبة، بل مستندة إلى المبدأ القانوني الذي يمنع الأفراد من تطبيق القانون بأنفسهِم، وهو مبدأٌ رُسّخ بفعل كثافة الأحكام القاضية بذلك الصّادرة عن قضاةٍ لبنانيّين[1].

 

بناءً عليه، يحرص مرصدُ السّكن على إعلام المتّصلين بتلك القاعدة؛

أ- التهديد الشفهيّ بالإخلاء: الطلبُ الشفهيّ لا يشكّل أرضيةً قانونيةً للإخلاء

فيرا، أمٌ عازبةٌ تعيش في محلّة الدورة مع طفلها البالغ من العمر ثمانية أشهرٍ، تلقّت طلبًا بالإخلاء بعد مضيّ عامٍ على الإيجار. ادّعى المالكُ أنّه يرغب ببيع الشقّة، لكنّ فيرا تعتقد أنه ينوي استبدالها بمستأجِرٍ آخر مستعدٍّ لتحمّل بدَل إيجارٍ أعلى.

أعلمَ مرصدُ السّكن فيرا أنها غير ملزمةٍ على الإخلاء إلا في حال استحصلَ المالكُ على إذن إخلاءٍ من المحكمة. في الواقع، إذا ما حاول المالكُ إخلاءها عنوة، يمكن عندها تغريمُه بموجب القانون[2].

متسلّحةً بتلك المعلومات، تمكّنَت فيرا من مواجهة المالِك والتفاوض معه على البقاء في شقّتها.

 

ب- الإخلاء القسري: الإخلاء بواسطة الترهيب والعنف هو عملٌ جرميّ

قد يلجأ المالِكون إلى تكتيكاتٍ غير رسميةٍ لحمل المستأجِرين على المغادرة. في هذا السياق، أبلغ متّصِلون كثرٌ عن تعرّضهم لعنفٍ لفظيّ ومضايقاتٍ متكرّرة، وفي بعض الأحيان، لتهديداتٍ بالطرد عنوةً من بيوتهم على يد ميليشياتٍ مسلّحةٍ أو حتى بعض عناصر الشرطة.

وبلغ الأمرُ ببعض المالِكين حدّ قطع الكهرباء والمياه عن منازل المستأجِرين، أو تغيير الأقفال في غيابهم.

لطالما وُجدَت هذه التكتيكات، لكنها ازدادت انتشارًا مؤخرًا في ظلّ الأزمة، لتستهدف على وجه التحديد الفئات المهمّشة مثل اللاجئين والعاملات والعمّال الأجانب المحرومين من أيّ شبكات دعمٍ اجتماعي، والعاجزين عن طلب المساعدة من السلطات المحلّية.

 

بماذا ينصح مرصدُ السّكن المتّصِلين للتعامل مع هذه المضايقات وغيرها من تكتيكات الإخلاء غير الشّرعي؟ التقدّم بشكوى.

اللجوء إلى قانون العقوبات لمواجهة تصرّفات المالِك غير القانونية

إثر خلافٍ مع سكّان مبناه في برج حمّود، قرّر المالِكُ طرد الجميع بالقوّة ومنحهم أسبوعًا واحدًا فقط للمغادرة. وبعد رفضهم، تقول سارة، إحدى القاطنات في المبنى، إنّ المالِك عمدَ إلى قطع المياه عن المنازل، وكانت حينها في الشّهر التاسع من الحمل.

أعلَمَ المرصدُ سارة أنّ أمامها خياران قانونيّان لإعادة المياه إلى منزلها؛ الأول يقضي برفع دعوى أمام قاضي الأمور المستعجلة، والثاني بتقديم شكوى لدى النيابة العامة. وبما أنّ محكمة الأمور المستعجلة تعاني بطء العمل مؤخرًا، نصح المرصدُ سارة بسلوك درب الإجراءات العقابية وتقديم شكوى لدى النيابة العامة.

 

أما نسرين، القاطنة في برج حمود، فواجهَت نوعًا آخر من الضغط على يد مالِك شقّتها. فعندما عرضَت إحدى المنظّمات غير الحكومية ترميم بيتها المتضرّر جرّاء تفجير مرفأ بيروت، شرع المالِكُ بزيادة بدل الإيجار. في بادئ الأمر، وافقَت نسرين على زيادةٍ قدرها 150 ألف ليرة، لكن في الشهر التالي، عاد المالِكُ ليزيد قيمة الإيجار إلى 1,200,000 ليرة، أي ما يعادل ضعفَ البدَل الأصلي المُتفق عليه. وعندما أبلغتهُ نسرين بعدم قدرتها على تحمّل تلك التكلفة، بدأ المالِكُ بإحضار أشخاصٍ غرباء، أي مستأجِرين مُحتمَلين، إلى منزلها.

بهذا التصرّف، لم ينتهك المالِكُ خصوصية نسرين فحسب، بل الدستورَ أيضًا، إذ تنصّ المادة 14 منه على أنّ "للمنزل حرمةٌ ولا يسوغ لأحدٍ الدخول إليه إلا في الأحوال والطرق المبيّنة في القانون"[3]. وفي هذه الحالة، حمّل القانونُ المالكينَ مسؤوليةَ ضمانِ تمتّع المستأجِر بالمأجورِ بعيدًا عن أيّ تصرّفٍ قد يحرمه حقّه في ذلك (سواء بدرَ عن المالِك نفسه أو عن طرفٍ ثالث) [4].

بناءً عليه، نصحنا نسرين بتقديم شكوى لدى النيابة العامة ضد مالِك الشقّة لتعدّيه على حرمة منزلها.

 

عندما لا يكون تقديم الشكوى متاحًا: اللجوء إلى الوساطة وخلق شبكات دعمٍ اجتماعي لمواجهة إساءات المالِك

السّعي للحصول على الحماية عن طريق النظام القضائي اللبناني ليس خيارًا متاحًا للجميع. فبعض الأفراد الآتين من جماعاتٍ مهمّشة، لاسيما اللاجئين والعاملات والعمّال الأجانب ممّن قد يكونوا غير حائزين وثائق إقامةٍ شرعية، لا يتمتّعون بالقدرة على اللجوء إلى المحكمة طلبًا للعدالة، نتيجة خوفهم من التعرّض للاعتقال والاحتجاز.

بناءً عليه، نجد تردّدًا عامًا لدى هذه الفئات في إبلاغ السّلطات عن المضايقات أو الانتهاكات التي يتعرّضون لها، إذ يفضّلون الاعتماد على الشبكات الاجتماعية حيث يمكن ذلك، أو ببساطةٍ المغادرة والبحث عن مسكنٍ آخر.

كذلك ثمة حالاتٌ أخرى يتمتّع فيها المالكُ بعلاقاتٍ نافذة، ما يثني المستأجِرين عن اللجوء إلى القضاء نتيجة اعتقادهم بأنّ المالِك سيستخدم معارفه لضمان استصدار حكمٍ قضائيٍ في صالحه.

في تلك الحالات، يحاول مرصدُ السكن توفير الدعم المعنوي اللازم للمستأجِرين لوقايتهم الشعور بالعجز واليأس، وبالتالي الرضوخ لمطالب المالِك. ويُقدّم هذا الدعم إما عبر الوساطة أو تنظيم لقاءاتٍ على مستوى المبنى أو الحيّ.

الوساطة
عندما يصِل الخلاف مع المالِك إلى دربٍ مسدود، وتفشل المفاوضات المباشرة بين الطرفَين، يعرض مرصدُ السّكن التوسّط مع المالِك نيابةً عن المستأجِر.

وبحسب خطورة الحالة، تتمّ الوساطة إما عبر العامِل/ة الاجتماعي/ة أو المحامي/ة.

على سبيل المثال، كان مضى على استئجار محمود شقّته في محلّة الكرنتينا حوالي عامٍ ونصفٍ عندما قرّرت المالِكة زيادة بدَل الإيجار من 800 ألف ليرةٍ إلى 1,500,000 ليرة، وشرَعت بمضايقته يوميًا من أجل تحصيل المال منه.

حاول محمود التفاوض معها عارضًا زيادة 100 ألف ليرةٍ على بدَل الإيجار الشهري، لكنّ المالِكة رفضَت. لجأ محمود إلى جيرانه طالبًا إليهم إقناعها، لكنّ محاولاتهم باءت بالفشل. وبما أنّ عقد إيجاره شفهيّ، وليس بحوزته أيّ مستنداتٍ تُثبت حقّه، لم يشعر محمود أن بمستطاعه اللجوء إلى الكاتب بالعدل أو تقديم شكوى أمام المحكمة. لذلك، طلبَ إلى المرصد التدخّل نيابةً عنه، وجرى تعيين عاملةٍ اجتماعيةٍ للتوسّط. حاولَت العاملةُ مخاطبة الحسّ الإنساني لدى المالِكة قبل أن تشرح لها حقوق محمود وعدم قانونية أفعالها تجاهه. وبالفعل، بعد ذلك الاتصال، توقّفَت المالكةُ عن مضايقة محمود.

على صعيدٍ آخر، تعيش إيمان في برج حمود مع أسرتها المؤلّفة من 8 أشخاصٍ وطفلٍ سيولد قريبًا، وتواجه ضغطًا لإخلاء شقّتها من قبَل المالِكِ المُسيء الذي بدأ يتّهم العائلة باحتلال المنزل، ويهدّد بقطع المياه والكهرباء عنهم بعدما رفضوا تسديد بدَل الإيجار بالدولار الأميركي الطازج (fresh dollars).

أُعلِمَت إيمان بالخيارات القانونية المتاحة أمامها، لكن بما أنها لا تحمل إقامةً شرعية، قرّرَت تجنّب الذهاب إلى المحكمة خوفًا من التعرّض للاعتقال أو الترحيل. لذلك، عيّن المرصدُ أحد محامييه للتواصل مع المالِك.

تنظيم لقاءاتٍ على مستوى المبنى أو الحيّ
في الحالات التي يستهدف فيها المالِكُ عددًا من سكّان المبنى الواحد، أو تواجه فيها مجموعةٌ من سكّان الحيّ الواحد تهديدًا مشتركًا، يحاول مرصدُ السّكن جَمع هؤلاء الأفراد عن طريق تنظيم لقاءاتٍ على مستوى المبنى أو الحيّ، بهدف تشجيع المستأجِرين على التنظيم وحشد الطاقات الجماعية لمواجهة التحدّيات المشتركة وتقديم الدعم لبعضهم البعض في الوقت عينه.

على سبيل المثال، بعد أن أنجزَت إحدى المنظّمات غير الحكومية ترميم مجمعٍ سكنيٍ ضخمٍ في برج حمود كان تضرّر جرّاء تفجير مرفأ بيروت، بدأ مدير المجمع بمضايقة السكّان للقبول بزيادة بدَل الإيجار، ونجح عبر تصرّفاته المسيئة بدفع اثنَين منهم إلى المغادرة. إزاء هذا الوضع، قرّر كلٌّ من إيلي وسامي وأسادور، القاطنين في المجمع، الاتصال بمرصد السّكن لتقرير المسار الأفضل لحلّ المشكلة على مستوى المبنى، وجرى عقد اجتماعٍ بين المحامي/ة وجميع سكان المبنى.

ج- الإخلاء بموجب إنذارٍ رسمي ليس كافيًا لتنفيذ الإخلاء

ثمة نوعٌ من التهديد بالإخلاء عن طريق إنذارٍ رسمي يخطّه محامي المالِك أو يُصدره الكاتبُ بالعدل، ويُبلّغ للمستأجِرين عبر مأمور المحكمة أو أحد عناصر الأمن العام اللبناني.
على سبيل المثال، تلقّت أنيسة وجيرانها القاطنين في جلّ الديب إنذارًا مماثلًا يطلب إليهم إخلاء المبنى قبل انقضاء مدّة إيجارهم. لكنّ المرصد أعلمَهم بأنّ ورقة الإنذار تلك لا تكفي وحدها لإرغامهم على الإخلاء، فهي مجرّد خطوةٍ أولى في سلسلةٍ من التدابير القانونية التي يتعيّن على المالِك اتباعها لاستصدار أمرٍ من المحكمة بإخلاء المبنى.

بناءً عليه، ساعد محامي المرصد المستأجِرين على كتابة ردّ رسمي خطّي يُعلِمون فيه المالِك أن

1- ليس بمستطاعه إخلاء السكان قبل انقضاء مدّة الإيجار؛

2- يحقّ للسكان في واقع الأمر تمديد الإيجار لعامَين إضافيّين بموجب المادّة 543 من قانون الموجبات والعقود؛

3-  وينبغي على المالِك عرض القضية أمام قاضٍ مدني واستصدار أمرٍ من المحكمة إذا ما رغب بإخلائهم.

 

د- الإخلاء بموجب أمرٍ من المحكمة وكيفية تأخير التنفيذ

لسوء الحظّ، ما مِن خياراتٍ قانونيةٍ كثيرةٍ لمواجهة أمر الإخلاء الصادر عن المحكمة. وبينما تنصّ قوانين حقوق الإنسان الدولية على واجب الدولة سنّ تشريعاتٍ تضمن استنفاد كافة البدائل الممكنة بالتشاور مع الأشخاص المعنيّين[5] قبل تنفيذ أيّ عمليّات إخلاء، يخلو إطارُ العمل القانوني اللبناني من أيّ بندٍ مماثل. بناءً عليه، من غير المبالغ به القول إنّ التشرّد بات واقعًا مريرًا يُفرض على معظم الأفراد الذين يتسلّمون أمرًا بالإخلاء، لاسيما في ظلّ غياب السكن الاجتماعي المدعوم حكوميًا وبرامج الأمن الاجتماعي المصمّمة لتلبية حاجات الفئات المهمّشة والمستضعَفة.

على سبيل المثال، عندما وردَت حالة عبّود إلى مرصد السّكن، كانت المحكمة قد أصدَرت أمر الإخلاء غير القابل للنقض.

كان عبّود رجلٌ سبعينيّ مُسنّ ومُعدمٌ يقطن غرفةً صغيرةً في الطابق الأرضي من مبنًى مؤلّفٍ من خمس طبقاتٍ في محلّة الجعيتاوي.

وبالرغم من أن عبّود أبلغَ مأموري المحكمة الذين سلّموه نسخةً عن أمر الإخلاء أن لا مكان آخر لديه يعيش فيه، لم يمنعهم ذلك من العودة بعد شهرَين لتنفيذ أمر الإخلاء بحقّه.

في ذلك اليوم، اضطرّت محامية مرصد السّكن إلى تهديد عناصر المحكمة باستدعاء وسائل الإعلام لنقل صورتهم وهم يرمون رجلًا مسنًّا ومعدَمًا على قارعة الطريق، ما دفعهم إلى التراجع والموافقة على تأجيل تنفيذ أمر الإخلاء لمدّة شهر.

وعلى مدى الأشهر اللاحقة، ساعدَت محاميةُ المرصد عبّودَ في التقدّم بطلباتٍ شهريةٍ لتأجيل الإخلاء، حتى تمكّن في نهاية المطاف، بفضل التشبيك المجتمعي ودعمٍ من بعض المنظّمات غير الحكومية، من العثور على مسكنٍ جديدٍ وتأمين مبلغٍ مالي يغطّي الإيجار لبضعة شهور.

 

3.التخلّف عن سداد بدَل الإيجار: الإجراءات القانونية والحلول المُمكنة

التخلّف عن سداد بدَل الإيجار ليس مسوّغًا للإخلاء الفوري

يشكّل الامتناع عن سداد بدَلات الإيجار مسوّغًا قانونيًا للإخلاء، لكنه لا يعفي المالِكَ من واجب اتّباع الإجراءات والتدابير القانونية اللازمة لاستصدار أمرٍ بالإخلاء بصورةٍ شرعية.

في الواقع، قبل التقدّم بشكوى ضدّ المستأجِر لتخلّفه عن سداد بدَل الإيجار، ينبغي على المالِك تسليمه إشعارًا رسميًا يطالبه فيه بتسديد دَينه كاملًا في غضون شهرَين من الزمن. أما في حال امتناع المالِك عن اتباع تلك الخطوة، يُعتبر من الناحية القانونية موافقًا على بقاء المستأجِر في المأجور من دون سداد بدَل الإيجار.

إعادة التفاوض على خِطط الدّفع

عادةً ما يوصي مرصدُ السّكن المتّصِلين بالبقاء في بيوتهم إلى أن يسلّمهم المالكُ إشعارًا رسميًا بالدفع. لكن في بعض الأحيان، يتدخّل المرصدُ في محاولةٍ للتفاوض على خطّة سدادٍ جديدةٍ تناسب المالِكَ والمستأجِر.

هذه كانت حالةُ  إيمان القاطنة في برج حمّود التي كانت مدينةً للمالِكة ببدَلات إيجارٍ عن سنةٍ ونصف، بسبب افتقارها إلى مصدر دخلٍ ثابتٍ واضطرارها إلى تأمين تكاليف تربية 13 طفل.

وعندما طالبَتها المالِكةُ بسداد بدَل إيجارها كاملًا بحلول الشهر التالي وإلا فالإخلاء بالقوة، عيّن المرصدُ أحد محامييه للتوسّط بين الطرفَين. كما طلبَت إيمان إلينا جَمع مبلغٍ صغيرٍ من المال تقدّمه للمالِكة عربون حُسن نيّةٍ من أجل تسهيل الوساطة. وفي نهاية المطاف، نجحَ المحامي في إقناع المالكة بالسّماح لإيمان بالبقاء في الشقّة.

 

 

مرصد السّكن هو أداةٌ سكنيةٌ مجتمعيةٌ طوّرها استوديو أشغال عامة لحماية وتحسين حقوق السّكن في لبنان. يستخدم هذه الأداة سكّانٌ من مختلف الجماعات المهمّشة للإبلاغ عن ظروفهم السّكنية الصعبة أو تهديداتٍ تواجههم بالإخلاء. استجابةً لتلك البلاغات، يوفّر استوديو أشغال عامة دعمًا قانونيًا واجتماعيًا لكلّ حالةٍ وفق الحاجة، ويحشد المستأجِرين حول التحدّيات المشتركة، كما يرصد أنماط المظالم السّكنية من أجل المناصَرة لتحقيق الإصلاحات اللازمة.

 

للإبلاغ عن ظروفٍ سكنيةٍ صعبةٍ أو حالات تهديدٍ بالإخلاء، يمكن الاتصال بنا على الرقم +961 81 017 023

أو مراسلتنا على info@housingmonitor.org

 

 

[1] قرار رقم 501 الصادر عن القاضي المدني في بيروت بتاريخ 11 تشرين الثاني 2002.

[2] يجرّم القانون إقدام المالِك على تنفيذ الإخلاء بقرارٍ فردي، بموجب المادة 429 من قانون العقوبات التي تنصّ على غرامةٍ قدرها 200 ألف ليرةٍ لكلّ مَن يعمد إلى تطبيق القانون بنفسه، بالإضافة إلى المادة 430 التي تعاقب بالسّجن حتى عامَين في حال استخدام العنف والإرغام المعنوي.

[3] المادّة 14 من الدستور اللبناني.

[4] المواد 553 – 558 من قانون الموجبات والعقود.

[5] التعليق العام رقم 7 بشأن عمليّات الإخلاء القسري الصادر عن لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة للأمم المتحدة