ندى أم أرملة، تسكن وأولادها الثلاث شقّة بالإيجار في حي طريق الجديدة. ندى لا تعمل، وقد بدأ ابنها البكر سنته الأولى في الجامعة. تعتاش العائلة من مدّخراتها ومن مساعدات تحصل عليها ندى أحياناً من إخوتها.
وجدت ندى شقتها الحالية عن طريق سمسار، وهي شقّة صغيرة مؤلّفة من ثلاث غرف وحمام واحد. ورغم أنها تعاني من سوء إنارة وتهوئة، إلا أنّ ندى اختارت الانتقال إلى هذا الحي لقربه من مدارس أولادها وجامعتهم. وقّعت حينها عقد إيجار بقيمة 875,000 ل.ل. لمدّة سنة، في حين أن السمسار أكّد لها أن عقود الإيجار بحسب أحكام قانون الإيجارات، تسري لمدّة ثلاث سنوات.
وقبل انقضاء السنة الأولى على انتقالها إلى المأجور، بدأ المالك بالضغط على ندى لإخلاء الشقّة، متحجّجاً بإقبال ابنه على الزواج ورغبته في الانتقال إلى الشقة. ثم طلب منها التوقيع على تعهّد بترك الشقّة بمهلة ثلاث أشهر، تدفع خلالها مبلغ 2,500,000 ل.ل. عن كل شهر، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف سعر الإيجار المتفق عليه بموجب عقد الإيجار، لكن ندى رفضت التوقيع.
المالك، وهو معروف في الحي كرجل نافذ يملك عدّة عقارات في المنطقة، مشهور بطبعه الصعب وعصبيّته.
بناءاً على ذلك، قررّ السمسار التدخّل بالنيابة عن ندى، وحاول إقناع المالك بحدّ أقلّه بعدم رفع الإيجار. لكن الأخير أصرّ على مطلبه، وهدّد بالتعرّض لندى وأولادها في حال رفضت، وهو ما دفع بالسمسار لعرض تغطية فرق الزيادة في الإيجار عن ندى طيلة الأشهر الثلاث المقبلة.
عندما اتصلت ندى بمرصد السكن للتبليغ عن حالتها، أخبرتنا بأنها تبحث عن منزل آخر. ورغم تأكيدنا لها بأنه يحق لها البقاء في سكنها الحالي لسنتين إضافيتين تدفع خلالها الإيجار على السعر المتفق عليه عند إبرام العقد، لم ترغب ندى بمواجهة المالك، خشيةً من ردّة فعله ومن تعرّضه لأولادها. إنما قالت أنها سوف تبقينا على اطلاع حول أي جديد يطرأ في حالتها.
انقضت مهلة الثلاث أشهر، ولم تجد ندى سكناً بديلاً. كما أبلغها السمسار أنه لن يغطّي الفرق في السعر بعد اليوم. وعندما حاولت ندى إرسال الإيجار مع ابنها، رفض المالك تَسَلُّمَه. فقررت، عملاً بنصيحة «لجنة المحامين للدفاع عن الحق في السكن»، إيداع ما يساوي قيمة بدلات إيجار أربع أشهر (القيمة الأساسية للإيجار والمذكورة في العقد)، عند كاتب العدل.
وعند تبلّغ المالك الإشعار بوجود المال عند كاتب العدل، أرسل كتاباً يفيد برفضه قبض الإيجار. وأثناء تواجد أولاد ندى في مدارسهم، اقتحم المالك الشقّة، وتهجّم على ندى، فصار يصرخ في وجهها ويطالبها بالرحيل، حتى دفعها إلى ترك الشقة والنزول إلى الشارع هرباً منه.
أثناء التواصل مع لجنة المحامين، طمأن المحامي ندى أن رفض المالك قبض الإيجار المودع عند كاتب العدل لا يضعها في موضع التخلّف عن الدفع، كونه ملزم برفع دعوى لإثبات عدم قانونية الإيداع، وهو سيخسرها حتماً. كما حاول المحامي إقناع ندى بتقديم شكوى بوجه المالك أمام المخفر، لكن ندى فضّلت التريّث قبل الإقدام على هذه الخطوة خوفاً من ردّة فعل المالك.
إلاّ أنه بعد مرور أسبوعين تقريباً على هذه الحادثة، بلّغت ندى المرصد عن إقدام بعض الشبّان بالاتصال بابنها، من قِبَل المالك، وتهديده بالتعرّض له ولإخوته عند مغادرتهم المدرسة. طلبت ندى تدخّل المحامي الفوري، الذي حاول حينها التفاوض مع المالك عبر الهاتف، إلا أنّ الأخير أنهى المكالمة سرعان ما أبلغه المحامي بعدم قانونية أفعاله، ولم يتجاوب معه بعد ذلك. فقام عندها المحامي بصياغة شكوى وطلب من ندى تقديمها أمام المخفر بأسرع وقت ممكن، واعداً إياها بمتابعة مسارها في النيابة العامة.
لكن ندى قرّرت عدم تقديم الشكوى، ليقينها بأن للمالك علاقات يمكنها رد أي مسار جزائي ضدّه، وفضّلت بالتالي إرسال شقيقها لمقابلة المالك. أفاد شقيقها بأنه اجتمع بالمالك وبعض الشبّان، وأنهم كانوا مسلحين، ولم يرضوا التفاوض معه، بل كان كل حديثهم عبارة عن تهديد وشتم. بالتالي، وعملاً بنصيحة شقيقها، قررت ندى إخلاء الشقة آخر شهر آب، علماً بأنها كانت قد دفعت الإيجار حتى آخر شهر أيلول.
اضطرت ندى إلى الانتقال إلى مسكن آخر أصغر حجماً وأسوأ وضعاً، كي تبقى في الحي ذاته بالقرب من مدارس أولادها وجامعتهم، ويقوم المرصد حالياً بمساعدتها للتوصّل إلى اتفاق عادل مع المؤجّرين الجدد.
تشكّل حالة ندى نموذجاً للعديد من الحالات، حيث يجد المستأجرون أنفسهم غير قادرين عن الدفاع عن حقوقهم، في حين ينصفهم القانون بالمبدأ، في وجه مؤجرين مسيئين على أرض الواقع، وذلك بسبب ما يملكه هؤلاء المؤجرون من نفوذ أو علاقات مع أشخاص نافذين، تمكّنهم من التصرّف دون الخوف من المحاسبة.
وهذا يعود إلى أحد أوجه القصور في قانون الإيجار والسياسة السكنية إجمالاً، حيث لا ضمانات كافية أو آليات تطبيقية لصون الحقوق السكنية وحمايتها. قصة ندى تتقاطع مع عشرات القصص التي تصل إلى مرصد السكن حيث تعاني علاقة المستأجر والمؤجّر من عدم تكافؤ، بل تمتاز بالاستغلالية، مما يشير إلى الحاجة الملحّة لوضع آليات خاصة وشروط عامة لتحقيق العدالة في السكن. فالطريق المتوفّرة حالياً للشكوى عند المخفر أو النيابة العامة ليست ملائمة لسبل الاستغلال العديدة المتعلّقة بحق السكن التي نقوم بتوثيقها من خلال مرصد السكن .