في ظل غياب سياسة إسكانية شاملة في لبنان - وبعد عقود من تسليم أمر قاطني المدينة لعناية السوق العقارية - بات المستأجرون الفئة الاجتماعية الأكثر هشاشة من ناحية ضمان السكن واستدامته، لا سيّما بسبب عدم وجود مؤشر رسمي لبدلات الإيجار أو ضرائب على الشقق الشاغرة.
كما أن أسعار الإيجارات تعتبر من الأغلى في العالم عند مقارنتها مع الحد الأدنى للأجور والخدمات المتوفرة في المأجور والمنطقة / الحيّ، ويرتبط ذلك بغياب السياسة العقارية التي من شأنها أن تمنع المضاربات وتوازن بين مفهومين متناقضين للأرض: سلعة لمراكمة الأرباح أو مساحة تنمو فيها سبل العيش (وظيفة الأرض الإجتماعية). هذا بالإضافة إلى قانون الإيجارات ١٥٩ المسمّى قانون الاستثمار الصادر في تموز ١٩٩٢ والذي يحكم كل عقود الإيجارات المبرمة بعد هذا التاريخ ضمن حرية التعاقد ويضمن المأجور لمدة ثلاث سنوات فقط.
لا شك أن هذه الظروف تجعل من حق السكن في لبنان حقاً منقوصاً، وبالإضافة إلى الظروف الإقتصادية الحرجة حيث سعر صرف الليرة اللبنانية بات ضبابياً، هنالك خطر إضافي على شريحة واسعة من المستأجرين وخاصة التي أبرمت عقودها بالدولار فيما معاشاتها بالليرة اللبنانية. ضمن هذا السياق، يقوم «مرصد السكن» بإستشارة عدد من المحاميين، والإقتصاديين، والمنخرطين في العمل على السياسات الإسكانية عن الخطوات التي يجب القيام بها لحماية أهم الحقوق الإجتماعية:
١- حرية التعاقد لا تعني أن الدفع بالدولار إلزامي، حتى وإن لم يذكر العقد القيمة بالليرة اللبنانية. فلا يحق للمالك عدم قبول العملة اللبنانية حسب المادة ١٩٢ من قانون النقد والتسليف، الذي ينص على إلزامية قبول العملة اللبنانية كون الموضوع يمس بسيادة الدولة. وتطبق على من يمتنع عن استلام الاجر بالليرة اللبنانية العقوبات المنصوص عليها بالمادة ٣١٩ من قانون العقوبات: حبس من ٦ أشهر الى ٣ سنوات وغرامة تتراوح من ٥٠٠ ألف إلى ٢ مليون ليرة.
٢- مصرف لبنان هو الجهة الرسمية لسعر الصرف، وأي اقتراح لسعر صرف مختلف هو تحميل مخاطر سعر الصرف للمستأجرين.
كما أن جميع الخدمات تحدّد سعرها بالليرة اللبنانية ولا يجوز إلزام المواطن بتسديد أي فرق عملة سوى على البضائع المستوردة.
اذا امتنع المالك عن قبض الإيجار بالليرة اللبنانية، فمن الممكن إيداع المبلغ عند كاتب العدل وإرفاق إفادة بسعر الصرف الرسمي بتاريخ الدفع لحفظ الحقوق. كما يمكن ارسال بدل الإيجار من خلال برقية ليبان بوست. ومن الممكن الشكوى عند النيابة العامة أو حماية المستهلك (مع أن مواد هذا القانون لا تذكر السكن كسلعة، بينما باقي السياسات المتعلقة بالسكن والعقارات تتعامل مع السكن من منطلق التسليع!).
وفي هذا السياق، هنالك مطالبة لوزارة الإقتصاد لإصدار تعميم يشمل احتكام بدلات الإيجار إلى سعر الصرف الرسمي.
٣- على المستوى التنظيمي، من الأجدى تشكيل لجان بين المستأجرين لمفاوضة المالك سوية. كما أن هذا النوع من التنظيم قد يكون مفيدا في حال اللجوء إلى كتّاب العدل لمفاوضتهم على تخفيض الرسوم، خاصة أن إيداع بدل الإيجار عندهم يكلّف نحو ١٠٠ ألف ليرة ولا وجود لصيغة إيداع جماعية.
٤- عند إبرام أي عقد إيجار جديد الإصرار على أن يكون بالليرة اللبنانية. وهذا الإجراء هو من أسس أي سياسة سكنية جديدة، كون موظفي قطاع العام يتقاضون رواتبهم يالليرة الوطنية.
٥- لا بد من دخول المشرّع لحماية حقوق السكّان والمالكين معاً وإيجاد الصيغة المناسبة لعدم تكرار سيناريوهات الإيجارات القديمة، حيث لم يقدّم أي إقتراح جديّ بعد إنهيار العملة عام ١٩٨٤ لإعادة احتساب الإيجارات تأخد بعين الإعتبار مداخيل المستأجرين والمالكين لتحقيق العدالة، وأمور أخرى ذات صلة توفّر مساكن بأسعار معقولة. وبهذا الخصوص بعض الاقتراحات المتداولة والملحّة لتفادي أزمة السكن:
- قانون يفرض غرامة على كل عقد يبرم بالدولار من الآن فصاعداً.
- قانون يفرض ضريبة على الشقق الشاغرة.
- ربط الإيجارات بمؤشر للتضخّم أو مؤشّر لارتفاع الحد الأدنى للأجور أو متوسّط المداخيل في القطاعين العام و/أو الخاص المقدّرة بالليرة اللبنانية - ويكفل هذا الإجراء حماية للمالكين والمستأجرين معاً.
- بلورة السياسة السكنية الذي بدأ العمل عليها في المؤسسة العامة للإسكان وتقديمها إلى المجلس النيابي.
كما يقوم مرصد السكن برصد الحالات التي يتم فيها تحميل شريحة المستأجرين مخاطر سعر الصرف. وفي هذا الخصوص، نحثّ الجميع التبليغ عن الأمر عبر الموقع.